المجتمع الذي يرى أن فرحه بالمناسبات السعيدة لا يتم إلا بإطلاق الرصاص وتعريض الأرواح للخطر مجتمع مختلف فيه عوار، بحاجة إلى إعادة تربية وتثقيف. وهنا لا أعمم بمقدار ما أشير إلى ظاهرة إطلاق الرصاص التي باتت تحصد أرواح الأبرياء الذين لا ذنب لهم إلا أن قدرهم ساقهم أن يكونوا موجدين في لحظة جنون يمارس فيها أحدهم اللعب مع الموت ليسد شعوره بالنقص، لأنه يرى أن إطلاق الرصاص تعبير عن الرجولة، فيفقدون حياتهم بلحظة واحدة هكذا بكل بساطة، وغالبًا ما يظل القاتل المجنون مجهولًا.
من غير المفهوم الحالة التي تصيب الكثيرين ليحملوا السلاح ويطلقوا العنان للرصاص الطائش تعبيرا عن الفرح ليتحول فرحهم إلى حزن عند الآخرين عندما يفقدون عزيزًا كان بالطريق أو أمام بيته أو حتى داخل بيته.
منذ زمن طويل ونحن نعاني من هذه الظاهرة، وشرعت القوانين الرادعة لمحاربتها، ولكنها ظلت تحتل عقول الكثيرين في التعبير عن الرجولة الزائفة لتتحول إلى ممارسة سلوكية فعلية على الأرض، فليس بإمكان الدولة وضع شرطي على كل مواطن ليراقب سلوكه، ويردعه عن الخطأ قبل الوقوع به.
المعضلة تكمن في جذور التربية والثقافة الاجتماعية، لنعترف أننا نعاني من خلل كبير في هذين المجالين، نتيجة تراكمات كثيرة أدت إلى هذه النتيجة وهذا الحال المأساوي، ولكن الوقت لم يفت بعد، فما زال المجال مفتوحًا لمحاصرة هذه الظاهرة وغيرها بالتوازي بين الردع من خلال تنفيذ القوانين الصارمة وإعادة النظر في أسس التربية الاجتماعية للفرد، وتثقيف المجتمع بخطورة هذه السلوك وشذوذ التفكير وتشوهه عند أولئك الذين يلعبون مع الموت من خلال التعبير عن فرحهم بإطلاق الرصاص، ويعتقدون أن رجولتهم لا تكتمل إلا بهذا السلوك المشين، ويجب أن يتم هذا بالتوازي أيضا مع تضييق الخناق على الأسلحة غير المرخصة التي يجد البعض أن المتاجرة بها تدر عليهم أرباحًا كبيرة.
التعبير عن الفرح باللعب مع الموت بات كابوسًا ثقيلًا على صدور الأردنيين، فانتشار هذه الظاهرة جعل الناس جميعًا مشاريع ضحايا للرصاص المنفلت الذي تطلقه أيدي شخص مختل نفسيًا يرى أن فرحه لا يكتمل إلا بهذه التعبير القاتل.
الخميس الماضي كانت المأساة تطل بأبشع وجه لها عندما ذهب ضحية هذا الرصاص الطائش شباب في عمر الورود لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا يمشون على طريق يمارس البعض عليه الجنون.
لنقف جميعًا مع الأمن العام ولنكن جميعًا سندًا له في محاولاته للسيطرة على ظاهرة إطلاق الرصاص الذي يراه البعض عنوانًا للفرح، كما أن على المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية أن تقوم بدورها في هذا المجال وتعلن فتواها الرادعة لهذا السلوك والتأكيد على أن إزهاق الأرواح وقتل النفس البشرية من كبائر الأمور عند الله عز وجل، فما عاد السكوت على هذه الظاهرة مقبولًا، وعلينا جميعًا أن نقف في وجه من يلعبون مع الموت ويعبثون بأرواح الناس.