قلت لقلمي : انت عزيز على نفسي أحبك حبا" عظيما" فأنت المعبر عما في نفسي بل المعبر عن حريتي والعابر للقارات والمحيطات والموضوعات والأشخاص ، يعجب بك قوم لوضوحك وموضوعك وكان منهم ملك راحل اتصل مرتين يشكر ما كتبت أيها القلم.
قال القلم : لا يا سيدي فأنا مجرد أداة طيعة أكتب ما تجود به أنت قوة وضعفا" وموضوعا" ، أنت المسؤول عني وأنت الدليل السياحي والسياسي لي ، أنت من يجلب المدح أو القدح ، والرضا أو الغضب .
قلت لقلمي : ولكن الرافعي قال "وحي القلم " فلماذا تتبرأ ؟ هل انت خائف ؟ هل سمعت دولة تعتقل قلما" ؟ ما على وجه الأرض معتقل للأقلام . هناك من أمسك بالقلم فنال الحظوة وعطاء الأمير ، وهناك من جره قلمه إلى أعواد المشانق . لماذا تلقي عليّ التهمة وتتبرأ وكأنك ليس لك دور !! ألم يقل الشاعر : لا تحسبوه يراعا" قُدّ من قصب . فلست مجرد أداة بل حين أمسك بك تجرني إلى "متاهات الأعراب في ناطحات السحاب " أو إلى " أكاديمية فيفي للرقص الشرقي " . أنت من توحي إليّ للحديث في السياسة اللعينة فتلسعني نارها حين أتحدث عن الدساتير التي يفصلها الخياط على المقاس ، أنت من يوحي إليّ للحديث عن الرواتب الفلكية وعصابات الفساد وعملاء العدو وقطاريز المستعمر . أنت من قال لسيد قطب : اكتب " معالم في الطريق " فأوصلته إلى حال المشنقة ! وأنت من قال لابن حزم الأندلسي ليسير عكس التيار في تحد صارخ وإصرار عجيب حتى قال لما أحرقوا كتبه : إن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري . أنت من تسبب في اعتقال عدنان الروسان ، لا تُبرئ نفسك فقد قالوها قديما" :
ألقاه في اليم مكتوفا" وقال له اياك اياك أن تبتل بالماء .
قال القلم : يا سيدي لا تحملني ما لا طاقة لي به ، لا تبحث عن تعليل على حسابي ، فوالله لا اكتب إلا ما أمرتني به ، فأنت من يحمل العقل وأنت صاحب الحرية وأنت صاحب القرار ، لقد أمر نزار قلمه أن يكتب في الغزل والمرأة فكتب ، وأمر ابن الجوزي قلمه فكتب عن " الحمقى والمغفلين" وأمر منافقو السلطة وشعراء البلاط أقلامهم لممارسة النفاق والتأليه والتبرير فأطاعت الأقلام . نحن الأقلام لسنا مكلفين فلا جنة ولا نار بل أنتم معشر الكَتبة الذين سيسألكم الله عن كل حرف كتبتموه ، فمن السذاجة أن يكون الناس سطحيين يرددون قول الله " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " بحصر الحساب في القول بل الكتابة عهد وعليها حساب ، فيا كتبة الزور والكذب النفاق والتضليل كل ذلك مسجل عليكم وليس علينا نحن الأقلام .
قلت لقلمي : على فرض صحة ما تقول ، ماذا تريد أن أكتب فيما تبقى من العمر ؟ أم تريد التقاعد ؟
قال القلم : ارجوك لا تتوقف لأنني لا أريد أن يتعطل العطاء وفق قانون الاستعمال والإهمال الدارويني، لا أريد أن أموت في الأدراج ، لا أريد أن أشاهد الأمة تغرق والمال ينهب والمقدسات تدنس والنفاق يتسع والرويبضة يتكلم بينما أنا في خرس وصمت وذل .
قلت : إذن نكمل المشوار شريطة أن تكون مسؤوليتنا تضامنية ولا تبرئ نفسك واستعد لمعارك كبرى نحتاج فيها إلى حبر "مداد" بكميات لا حدود لها .
قال القلم : كنت ولا زلت سيدي، وأنا طوع أمرك وسأرسم ما توحيه انت فأنا مضاف إليك فليتجهز المرعوبون والمرجفون واللصوص السارقون .
قلت : اتفقنا على بركة الله.