شخصية زومبي التي كثير ما شاهدناها في الافلام السينمائية ،وافلام الكرتون، تقوم على فكرة قيام " الموتى الأحياء" في افلام الرعب بأكل عقول البشر الأحياء ، وبالرغم من ان لحوم الأحياء تكون اكثر وضوحاً وقرباً من الزومبي واسهل للافتراس ، الا انه يستهدف بشكل مباشر ادمغة الأحياء ! ربما للسيطرة عليها وشل أي قدرة لديها في الوعي والتفكير.
هذه الاسطورة القادمة من الثقافة في (هاييتي)، تتجسد وتتمثل واقعاً مؤلماً في الواقع العربي ، الذي يلتهم فيه التراث بحلوه ومره، وبصدقه وكذبه، العقل العربي المعاصر ويمنع أي فرصة للنهضة واستيعاب الحداثة للخروج من عصور التخلف والركود لفضاءات الانجاز المعرفي والانساني كغيرنا من الامم.
ان الامم التي نهضت، غيرت بنية العقل لديها من مرحلة الاذعان والاستسلام السلبي لسرديات التراث، الى حالة التساؤل والتفكيك البنيوي له ومحاولة انتاج المعرفة. هذه الحالة من الاذعان للتراث ربما هي مسؤولة، الى حد كبير، عن كافة اشكال القهر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي التي تعيشها المجتمعات العربية.
الاشكال الأكبر يكمن في مترادفة " التراث" مع " العاطفة الدينية" واختلاط المفهومين بحيث يصبح تناول التراث بالتحليل والنقد مخاطرة كبيرة، تضع المتصدي لها، في دائرة التشكيك التي قد تصل الى حد التكفير، بينما على ارض الواقع استطاع المسلمون الاوائل استيعاب التراث السابق واخضعوه للتحليل والنقد بطريقة فعالة، من خلال الرفض او القبول او التأويل ، مما ادى الى تكوين عقل اسلامي نفذ عبر الاندلس الى اوروبا التي اقامت عليه رحلتها من عصر الظلامية الى التنوير. فلم يكن ابن رشد والرازي وابن النفيس والفارابي عبيداً لهيمنة (زومبي)، ولا مستسلمين له، وعانوا وقتها ما عانوه سواء من السلطة السياسية او نتيجة التعبئة الشعوبية للعامة ضدهم التي انتهت بإحراق نتاج بعضهم او طرده او سجنه او تكفيره.
تحديات الحداثة لا تعني القطيعة التامة مع التراث، بل جعله اطاراً فكرياً يستفز الباحثين لاستنطاقه واعمال ادوات الحداثة في السرديات التراثية لإنجاز مشروع حداثي فكري يلحقنا في ركب الامم التي راجعت تراثها بشكل موضوعي وعلى اسس نقدية ، وقامت بتطوير دساتيرها وقوانينها ونظمها ومفاهيمها واعادت تشكيل منظومة قيمها واخلاقها ونظرتها للآخر المختلف، كل هذا تم في المجتمعات المتقدمة حضارياً، بإرادة سياسية ودعم واحتضان مؤسسات الدولة الراعية والضامنة لحرية الفكر والنقد والتطوير المستمر لكافة مناحي حياة افرادها.
هذا النمط السكوني المتحجر السائد، والذي يسلم العقول (لزومبي) ويربطها مأكولة مفرغة بعجلة الماضي، اكثر مما يوجهها نحو المستقبل، والذي لمسته في الاجازة الصيفية القصيرة للوطن الحبيب وسمعته على السن خاطبي العرائس في الجاهات ومجيبيهم، ومن الجالسين الملتفين حول دبكات حفلات نجاح التوجيهي، وحلقات شواء (الصاجية ) ومن التلوث البصري لصناديد السوشال ميديا، لسان حاله يقول: أبشر بطول السلامة يا (زومبي).