الفيس بوك تعويض عن خسارة ما
رمزي الغزوي
26-09-2010 02:19 PM
نغيب طويلاً، وتأخذنا الدنيا من ياقات قمصاننا، أو تسوقنا كقطعان الريح في جهات الشتات. نغيب مذهولين مشغولين في كل الجهات. لكننا حين نلتقي، نلتقي وكأننا لم نبعد إلا قدر قبلة أوقبلتين، فنحن نحفظ روائحنا، وهمساتنا، ولغة عيوننا، ولهذا نكمل خيط الضحكة الذي نظمناه أول السهرة، أو نستعيد هدير الضحكة، التي مر على انفجارها بضع سنين، أو أكثر!.
فكم أنا كثير بصديق يعرف أغنية قلبي، يحفظها (كرجة مي)، حتى حين أنسى كلماتها، أو أكسر بعض لحنها، أسمعه يدندنها ويعيدها علي، وحينها أهمس: شكراً أيتها الصداقة الحقيقية؛ فلولاك لكنت وحيداً، مثل ظل عمود في شارع سريع، لولاك لما استطعت أن أضاعف نفسي، أو أحيا في نفوس الآخرين.
لدي ألفان من الأصدقاء، وأكثر قليلاً، وهذا العدد قليل في نظري ونفسي، ليس لأنك بحاجة إلى غربال بعيون ضيقة؛ لتغربل وتنقي ما أعتقدت ذات وهم، أو ذات رخاء أنهم أصدقاء لك، ولا لأنك كنت ذات جهل، وذات قلة خبرة، لا تفرق بين المعارف وبين الأصدقاء، ولا لأنك ما زلت مقتنعاً أن الصداقة لا تتجمد في الشتاء، ولا تتبخر بلهيب شمس، ولا تسقط مع ورقة خريف ذابلة، بل لأنك واثق أن ألفي صديق في هذا الزمن الضيق لا يكفي، وأن عدواً واحداً يعد كثيراً.
سيجركم كلامي إلى العنقاء، وإلى الغول وكل المستحيلات التي قرنها أجدادنا العرب بالخل الوفي، وستهزون رؤوسكم سخرية: أيها الولد الحالم، الغشيم، المجنون، أما زال هناك أصدقاء؟!، أما زال هناك أصدقاء في زمن بات الواحد فينا يفقد صداقته لنفسه. وستتذكرون أن كاتب الفلاسفة وفيلسوف الكتاب أبو حيان التوحيدي، الذي جرب الدنيا والناس، أنه ألف كتاباً في الصداقة والصديق، وبدأه بقوله المر المعلقم: اعلم أنه لا صديق؛ إلا نفسك!!.
يوم أمس، وصل عدد أصدقائي في (الفيس بك) على الأنترنت، إلى أكثر من ألفي صديق، وهذا العدد الضخم لم يبهجني، ليس تقليلاً من شأنهم، فلهم محبتي وتقديري، بل لأن هذا الرقم المهول فجر في نفسي السؤال: هل جاء (الفيس بك) تعويضا عن خسارة ما لحقت بنا وبإنسانيتنا؟!. إي أن من لم يصنع صداقاته في مطبخ الواقع، يجترحها في عالم وهمي، قد يتبدد في غمضة عين؟!.
ومع كل الكلام المخبوء بين السطور، فأنا ما زلت محظوظاً جداً؛ لأني ما زلت أمتلك أصدقاء، لم ينفذوا من عين الغربال، أصدقاء يحفظون أغنية قلبي، وأحفظ أغاني قلوبهم، وحين تضيق بي الدنيا، أو تهمزني بأنيابها، أسند رأسي على كتف أحدهم؛ وأجهش في بكاء مريح!!.
ramzi972@hotmail.com