قراءة منطقية في واقع نتائج الثانوية العامة
فيصل تايه
19-08-2022 12:00 AM
بعد مخاض مرهق ، ومع بزوغ فجر هذا اليوم ، وبعد ليلة طويلة من الانتظار ، افض المولد ، وتعالت الزغاريد وعم الفرح ابتهاجاً بنجاح ابنائنا طلبة الثانوية العامة ، وفي ذلك ، دعونا اولاً نبارك لابنائنا الطلبة الذين حالفهم الحظ بالنجاح في هذا اليوم المبارك الذي زيّنوه بالفرح والسعادة ، ونقشوه بالجدِّ والاجتهاد ، فكان استحقاقاً طيباً لمثابرتهم ، وبالنظر إلى النتائج التي تحققت ، فقد خاض ابناؤنا الطلبة وعائلاتهم التجربة بشرف ، متجاوزين كل الصعاب ، وبضمان صوابية اجراءات وزارة التربية والتعليم الفنية والادارية وبالتعاون مع الاجهزة المختصة ، حفاظاً على المصداقة والعدل والمساواة ، حيث ما زالت الوزارة تصّر على ان تبقي على هذا الامتحان ، امتحاناً وطنياً سيادياَ تكافح من اجل الحفاظ على هيبته ، وتسعى من اجل رُقِيِّه وتطويرِه ، ليكونَ ليسَ نهايةَ مرحلة أو بوابة للمجهول ، بل ضماناً للمستقبل.
اما وقد تم الاعلان عن هذه النتائج اخيراً ، فقد انتهى موسم الثانوية العامة لهذا العام ، بكل ما له وما عليه ، وطويت صفحته ، لذلك نقول : من حق الناجح الآن أن "يرفع إيده" ملوحاً بنجاحه ، وفي اعتقادي ان أول الناجحين هم كافة العاملين بهذا الفعل الوطني ، فلا احد يستطيع ان ينكر ان الموسم لم يكن "سمن على عسل" بل كان مليئاً بالتجاذبات ، وفي ذلك لا بد من ان نقول كلمة حق ، ان وزارة التربية والتعليم قد راهنت على نجاحها في تجاوز هذه المرحلة ، وكانت واثقه كل الثقة رغم كل الصعوبات والمعوقات والشائعات والتفاصيل المقلقة التي رُوجت بطريقة غير معتادة ، والتي أرهقت الطلبة واهاليهم على حد سواء ، إلا أن ذلك كله زال أمام جوهر الانجاز مع إصرار وعزيمة المخلصين من أبناء تكويننا التربوي العتيد ، وفي هذا دعونا نسجل شكرنا وتقديرنا للمساعي الحثيثة والمباركة لطواقم المراقبة والمتابعة والتصحيح والفرز والرصد والاستخراج وكل من ساهم في إنجاح هذا العمل الوطني .
إن ايجابية نتائج امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة لهذا العام مؤشر على موثوقية الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم وعلى سلامتها ، فقد عكست تلك النتائج النجاح الذي تحقق في إدارة ملف امتحان الثانوية العامة خلال هذه الفترة ، فقد تعودنا على أليات عمل وزارة التربية والتعليم واجراءاتها ، حيث تقوم باستنفار كافة إمكاناتها في إدارة الامتحانات والاختبارات لتتخذ الخطوات الصائبة في الطريق الصحيح في متابعات جادة تسعى من خلالها إلى إتاحة الوقت الكافي للمراجعة والتدقيق في النتائج لتخرج بالصورة المؤملة النهائية ، دونما إرباك او تعثر ، فالحمد والشكر لله عزّ وجل .
اما ونحن نقرأ الأن النتائج في سياقاتها الزمانية والظرفية والعلمية ، نجدها تشير إلى أن نسبه النجاح المئوية العامة بلغت (٦٣.١%) توزعت على مختلف محافظات المملكة ، ومن الملاحظ ان هذه النسبة هي نسبة مرتفعة مقارنة بالسنوات السابقة ، اضافة آت نسبة الطلبة الذين حصلوا على معدلات مرتفعة فوق ال (٩٠) هي نسبة جيدة فقد بلغت ال (١١١٣٦) طالبا وطالبة من كافة الفروع ، ومن اجمالي عدد المتقدمين ، وهذا يقع ضمن المنحنى الطبيعي ، مما يؤكد أن الاصرار على النجاح والتفوق هو حظ المجتهدين من الطلبة على اختلاف مستوياتهم العلمية ، لإحساسهم بالمسؤولية وعزمهم وتصميمهم على بلوغ أهدافهم تحقيقا لطموحاتهم برغم التحديات ، فمهما تغيرت آليات الامتحان وصعوبتة وانماطه وتوزيع علاماته سيزيد ذلك من اصراراهم على تحصيل أعلى العلامات ، مع يقينهم الراسخ أن شهادة الدراسة الثانوية العامة هي المفصل في حياتهم والمحدد لمصيرهم ، حيث تأتي في مرحلة حساسة وحرجة من حياتهم التكوينية ، فالأرقام التي صدرت لا تكذب والنسب لا تتجمل ، فقد جاءت الإحصاءات المعلنة من قبل معالي الوزير هذا اليوم لتكون بمثابة إشهار انتصار مشرف .
اننا ونحن نتفحص اليوم نتائج الامتحان لابد أن نلقي عليها نظرة تحليليه ، لتقييم الفترة الماضية التي مررنا بها خاصة في تجربتنا في التعامل مجمل التجاذبات التي حدثت اثناء الامتحان ، وبصورة ستمكننا من مواجهة تحديات المستقبل ، لتكون بداية لإعادة صياغة أهدافنا التعليمية والتقييمية بصورة حضارية حديثة ومتطورة في عصر تكنولوجيا التعليم ، وهذا يدفعنا للحديث عن مراجعة جودة التعليم والتقييم في ان واحد ، ذلك هو الحديث الذي يدفع نحو مواكبة التطورات ، ما يجعل مسألة التعليم اليوم مصيرية ، حيث علينا الالتفات إلى منظومة الثانوية العامة الامتحانية بصورتها الحالية ، ومراجعتها والتحدث عن تعظيم الانجازات والثناء على الجهود الطيبة المباركة التي أعطتها الهيبة والمصداقية والعدل والمساواة وفي نفس الوقت نستطيع تشخيص الجوانب التي تحتاج الى مراجعة ، وبيان نقاط الضعف ، بحيث يمكن التعاطي معها بجدية ومسؤولية ، خاصة عند التريث في مراجعة عناصر واليات عملها ، والعقبات التي ما زالت تعترضها .
اننا ونحن نقرأ اليوم هذه النتائج ، فإننا بحاجة للتاكيد على مضمون الامتحان بعيدا عن التركيز على الجانب التحصيلي والتذكري الفكري بل وعلى القدرات والكفايات التي يجب ان تركز على المهارات بقياس الذكاءات العشر ، وكذلك الحديث عن الاتجاهات السلبية عند بعض من طلبتنا والتي توجههم نحو السير للممارسات والأساليب الدراسية الخاطئة ، كما ويجب ان نلتفت الى أسباب تدني نسب تحصيل الكثير من طلبتنا في بعض المواد الدراسية وخاصة في بعض الفروع ، واعادة النظر في آليات قبول الطلبة للتقدم لامتحان الثانوية المنزلي ( الدراسة الخاصة ) مع ضرورة الحاجة إلى قواعد بنائية تنهض بالعملية التعليمية برمتها إلى ركب الحداثة والتطور وكما اشار اليها سيد البلاد في الورقة النقاشية السابعة وتحدث عنها دولة رئيس الوزراء وأكدها معالي وزير التربية والتعليم بجدية مؤخراً .
وأخيراً .. دعوني اجدد تهنئتي لطلبتنا الأعزاء الذين فرحوا بالنجاح وأدعو للذين لم يحالفهم الحظ مراجعة حساباتهم مع أنفسهم وتخطي هذه المرحلة بمزيد من العزم والإصرار ، فلا يوجد مستحيل عند وزارة التربية متمنيا ان تخوضوا تجربة التكميلي القادمة لتكون أسماؤكم في كشوفات الناجحين باذن الله .
أعاننا الله جميعا على تحمل المسؤولية.
والله ولي التوفيق.