أغلب المهتمين في الشأن العام ممن يعيشون في الولايات المتحدة، وأوروبا أيضا، يدركون معنى أثر الإعلام الغربي في الرأي العام هناك. وكثير من الأبحاث والمقالات كتبت تدعو إلى لغة مختلفة ومنهجية مبتكرة للوصول إلى الرأي العام الأميركي خصوصا، بلغة إعلامية جديدة وغير تقليدية ولا تتبع مدرسة الإعلام التقليدي العربية في الخطاب الرسمي الجاد والمتجهم في مباشرته وخطابه.
دان راذر، مثلا، وهو صحفي تلفزيوني أميركي اشتهر بمقابلاته مع الرئيس الراحل صدام حسين، كان مشهورا بمقابلاته مع الزعامات العربية، والتي يبثها على شبكة تلفزيون سي بي إس الأميركية الإخبارية، لكن من يعيش في أميركا يعرف أن أغلب الشعب الأميركي لا يعرف من هو دان راذر، وبالتالي فهو لا يشاهد مقابلاته التي تعيد بثها القنوات العربية مرارا وتكرارا كل حسب ضيف راذر المهم.
بالنسبة للأميركيين، فإن أوبرا وينفري، جيري سبرنغر، ديفيد ليترمان وجون ستيوارت هم أيقونات العمل الإعلامي، والإعلام كمفهوم لدى الأميركان هو صناعة ترفيهية، ومن هنا فإن برنامجا قديما مثل ساتردي نايت لايف، يشكل ذروة المشاهدة بكوميديا ساخرة يتابعها الأميركان بكثرة، وبرنامج جيري سبرنغر بفضائحياته الغريبة جدا يتناسق مع مفهوم الأميركي العادي جدا للإعلام.
برنامج الديلي شو، هو برنامج تبثه قناة الكوميدي سنترال، وهو البرنامج الأكثر شهرة من ضمن خمسة برامج أميركية حسب استطلاع رأي قامت به مؤسسة بيو للأبحاث (pew research center). وقد حقق البرنامج الساخر نسب مشاهدة مليونية مع مقدمه الذكي جون ستيوارت، بحيث بلغت نسبة المشاهدة المتصاعدة فيه حسب الأرقام الإحصائية حوالي 1.6 مليون مشاهد في الليلة، وبتوزيع ديمغرافي للأرقام فإن أكثر من 90 % من هؤلاء هم من الشباب بجنسيه، وأكثر من 80 % من المشاهدين هم المتعلمون والمثقفون من الشباب، وهذه الأرقام تقيس النسبة مقارنة بالبرامج الإخبارية العادية.ورغم نفي جون ستيورات نفسه إلا أن أرقام الأبحاث الإحصائية أشارت إلى أن برنامجه الشهير يعد أحد أهم المصادر الإخبارية للشباب الأميركي بين أعمار (18-35) سنة.
نسب المشاهدة في هذا البرنامج الساخر، جعلت السياسيين في الولايات المتحدة يتسابقون للظهور فيه، ومن خلال كوميديا طريفة ومحترمة يمارسها مقدمه جون ستيوارت، فإن رسائل سياسية كثيرة تجد طريقها إلى عقول وقلوب الملايين ممكن يشكلون الرأي العام الأميركي، ومن هنا كانت ذروة الشهرة للبرنامج في مواسم الانتخابات الأميركية، وقد ظهر فيه الرئيس الأميركي أوباما قبل رئاسته وبعدها، ومن الإحصائيات الطريفة أن هذا البرنامج الذي وقف موقفا حديا من إدارة بوش، لم يستضف طوال ثمان سنوات من إدارته، إلا وزيرة التعليم آنذاك مارغريت سبيلنغ، لكنه فتح أبوابه واستضاف أغلب طاقم إدارة أوباما وكان آخر ضيوفه نائب الرئيس جو بايدن.
بدقيقتين تقريبا، اختصر جلالة الملك عبدالله الثاني عقودا من الصراخ، وبلغة هادئة وواثقة وسهلة قام جلالته من خلال هذا البرنامج بإيصال الرسالة السياسية لقضايا الشرق الأوسط، إلى أكثر من مليون مشاهد على الأقل.
دقائق قليلة أحيانا في الإعلام التلفزيوني الحديث، دقائق ذكية ومستثمرة بشكل جيد، تغنينا عن كل عكاظيات الإعلام العربي وجنرالات الشاشات والصياح والصراخ.
كانت مقابلة ذكية بكل معانيها...كثف فيها الملك بلغة سهلة وواضحة تفاصيل عقود من الصراع والأزمات.
شكرا جلالة الملك.
Malik_athamneh@hotmail.com
بروكسل
عن الرأي