تمكنت النخبة الحاكمة في إيران من كسب تعاطف شعبي كبير في العديد من الأقطار العربية، نتيجةً لنجاحهم في توظيف حالة الصراع العقائدي بين إيران وإسرائيل ــ الكيان الصهيوني ــ ورفض فكرة وجود دولة الاحتلال الإسرائيلية.
لكن هذا التوظيف الإيراني القائم على إثارة التعاطف العربي الإسلامي، غيب حقيقة كبيرة وهي أن الفكر السياسي الديني الشيعي الإيراني يمثل مصدر خطر على مجمل الفكر السياسي الإسلامي، لما يتضمنه من تشويه مقصود لأصول وفروع النظرية السياسية الإسلامية التي تواجه بطبيعة الحال توظيفاً غير صحيح لأركانها من خلال الممارسات التي تنتهجها العديد من الفرق والجماعات الإسلامية لاتخاذها أداة من أدوات التجنيد العقائدي لعضويتها، كما أن هذا النهج الإيراني خلق حالة من التشويه الكبير في تطبيق المنظومة الاجتماعية الإسلامية داخل المجتمع الإيراني.
فالانجراف وراء التوجه السياسي الإيراني وفق هذا الحال يتعارض مع لغة السياسة وفقه الواقع، ويخالف أبسط شروط وقواعد التعامل الدولي في مواجهة دولة إسرائيل. فالواقع السياسي يفرض الاعتراف بوجود دولة إسرائيل، ويفرض التعامل معها كدولة من دول المجتمع الدولي المعترف بها عالمياً، لكن هذا الاعتراف لا يمنع إيماننا بأنها دولة مستعمِرة لأراضي عربية إسلامية بقوة السلاح وصمت المجتمع الدولي، وأي تعامل خارج هذا الإطار لا يصب في خدمة القضية الفلسطينية، سيما وأن السلطة الفلسطينية ذاتها تعترف بالدولة الإسرائيلية، إضافة إلى ارتباطها باتفاقيات ومعاهدات سلام ثنائية مع عدد من الدول العربية، تمثل في واقع الحال اعترافاً رسمياً بوجود دولة إسرائيل.
فالخيار السياسي في التعامل مع دولة إسرائيل هو الخيار الوحيد المتاح حالياً لتحقيق تقدم في مساعي حل القضية الفلسطينية، وعدم الاعتماد أو الثقة بأي طرح إيراني، ففرصة التدخل والمساعدة العسكرية غير مطروحة، وفكرة التعاون العربي الإيراني في المجالات الأمنية أيضاً ليست خيار أي من الأطراف، والتحدي الإيراني الأمريكي في المنطقة ليس محل اختبار؛ لأن إيران تعتمد في ظهورها بمظهر الدولة القوية، والمضي قدماً في تطوير برنامجها النووي على إدراكها صعوبة التدخل العسكري ضدها، إضافةً إلى قدرة النظام السياسي الإيراني على تحصين بنيته الاجتماعية الداخلية من عوامل التأثير الخارجي ومحاولات تقويضه من الداخل، من خلال وسائله المتعددة والتي منها التوظيف الديني، والقبضة الأمنية، والهيكل التنظيمي للسلطة الحاكمة، والأجهزة الإدارية الحكومية المختلفة.
وكما هو الحال في محدودية التعامل مع دولة إسرائيل، يبقى السبيل الوحيد للتعامل مع العقيدة الدينية والسياسية الإيرانية مقتصراً على الجانب السياسي، بعد أن فوتت الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها وعلى المجتمع الدولي فرصة التعامل المنطقي مع القضية الإيرانية، بقضائها على أواصر الثقة مع القوى الإقليمية الفاعلة والمؤثرة في الحد من الانفلات الإيراني، والذي مثل تاريخياً القوة الضاربة الأفغانية، والدرع الصلب العراقي.
kayedrkibat@gmail.com