لا توجد مهنة تفيض بالسموم، وتقتل اصحابها، مبكرا، كما الصحافة، فهي ليست مهنة المتاعب وحسب، بل المهنة التي تفرض عليك ان تشرب كل الاخبار السيئة وتربطها ببعضها قبل غيرك.
الذي يتابع وسائل الاعلام الدولية والمعتبرة، يقرأ كل يوم تقارير، بعضها يخبرك ان 47 بالمائة من اوروبا يعاني من الجفاف، وان اكثر من 100 منطقة في فرنسا بلا مياه صالحة للشرب، وان بعض الانهار جفت، والزراعة تضررت، وان بريطانيا تريد خفض حصة المياه التي يتم ضخها، مثلما ان المانيا الصناعية في وضع حرج بسبب تراجعات الغاز واسعار الطاقة، بما يؤثر في الصناعات.
ترتفع اسعار السلع، وتتوقف شركات عن العمل، واذا اشتريت سيارة في دول غربية او استراليا تنتظر عدة شهور حتى تتسلمها، لان المصانع تعاني بسبب اسعار الطاقة، ومشاكل الانتاج.
اسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل جنوني في اوروبا، والولايات المتحدة، وكندا، واستراليا، وفوق كل هذا مشاكل في التصدير والاستيراد، وسلاسل التوريد، والشحن، والكل ايضا ينتظر شتاء قاسيا بما يفرض على كل اوروبا خفض استهلاك الغاز في الصيف للتبريد، وفي الشتاء للتدفئة، والكلام منذ الآن عن خفض نسب الاستهلاك، واحتمال قطع الكهرباء بضع ساعات.
وكأن العالم اصابته لعنة الشرق الاوسط، اذ كل هذه الاعراض، قد لا تعني لاهل الشرق الاوسط، او العرب الا القليل من الاهمية، فنحن في عالم عربي، خرب اصلا، فماذا سيعني الشعب السوري او اللبناني او اهل غزة مثلا، قطع الكهرباء عن اوروبا، وهم بلا كهرباء اصلا، وماذا سيعني جفاف الانهار في اوروبا، ونحن هنا سبقنا الجميع، فتضررت مصر والسودان من كيد اثيوبيا، بحبس مياه النيل، مثلما انخفض منسوب دجلة والفرات، في العراق، وسورية.
هناك تغيرات جارفة في العالم، فالحرب الروسية الاوكرانية، ارتدت على كل دول العالم، ايضا، والقيصر يوزع الكوؤس المرة على كل اوروبا، وهو لن يشرب وحيدا من هذه العقوبات، وغدا يقترب الشتاء، وقد ينهار العالم، ويتم بيع اوكرانيا، مقابل ليلة دافئة في اوروبا، هذا فوق اسعار النفط المتقلبة، التي لن تحتمل اي حرب جديدة، ستؤدي الى انهيار اقتصادات العالم، التي تعاني اليوم من نسب التضخم، واحتمالات الركود، وتمدد ديون الافراد والدول، بشكل مرعب.
شيء ما يحدث في هذا العالم، فهو بالتأكيد ليس طبيعيا، ولا يعبر عن وضع طبيعي، فنحن منذ كورونا، نزحف باتجاه خريطة اجتماعية سياسية اقتصادية جديدة للعالم، شئنا ام ابينا.
برغم كل هذه التغيرات الجارفة، ما تزال الانظمة السياسية تدير المشهد في العالم، بطريقة تعبر عن سوء تقدير، او تعمد زيادة الخراب، ونحن نشهد التهديدات الاميركية الصينية المتواصلة على خلفية ملف تايوان، وما يتعلق بالملف الايراني واحتمالات التصعيد، واي ملف منهما، مؤهل للتدويل بما يعنيه ذلك من ازمات جديدة، ستضرب ما تبقى من استقرار في هذا العالم.
هنا في الشرق الاوسط، لن نتضرر كما تتضرر الدول المتطورة، لأن بنى المنطقة هرمة اصلا، فالماء اصلا غير متوفر وينقطع في كل مكان، والصناعات غائبة عن اغلب الدول العربية، والزراعة بدائية، وضررنا سيكون فقط من آثار تضرر دول العالم الأقوى والاكبر، وعلى الارجح دون تبسيط للمشهد، فإن حالنا مثل حال الميت الذي سيتم اشباعه ضربا، فيما هو لا يحس اساسا.
أما المستقبل، فهو بالتأكيد غامض، ولا يعرف احد من هم ورثة الثقافة الغربية المتضررة اليوم، في دول كثيرة من كندا الى اوروبا الى الولايات المتحدة، واستراليا، لكن بالتأكيد ليسوا اهل الشرق الاوسط، وربما تعتلي الصين، او غيرها، سرج هذا العالم، ونبقى نحن في إطار التأمل والتأملات!.
كل التقارير الدولية كانت تحذر من التغيرات المناخية، ومن ازمات الطاقة، والمياه، والصراعات الجيوسياسية، وحروب النفوذ بين الشرق والغرب، لكننا والحمدلله في العالم العربي، لا نقرأ، واذا قرأنا اصبنا بالإحباط، وتركنا مستقبلنا لما ستأتي به الايام والليالي الحالكات.
لعنة الشرق الاوسط، بحاجة الى خبراء يحللون كيف انتقلت عدواها الى كل مكان؟.
(الغد)