لعناية وزير التربية والتعليم .. مبادرة المدرسة القارئة
15-08-2022 12:44 PM
عمون - نشر الكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلو قصة قصيرة يقول فيها: كان الأب يحاول قراءة الجريدة، ولكن ابنه الصغير لم يكفّ عن مضايقته، وحين تعب الأب من ابنه قام بقطع ورقة من الصحيفة كانت تحوي خريطة العالم، ومزقها إلى قطع صغيرة، وقدمها لابنه، وطلب منه إعادة تجميع الخريطة، ثم عاد لقراءة صحيفته ظناً منه أن الطفل سيبقى مشغولاً بقية اليوم، إلا أنه لم تمر خمس عشرة دقيقة حتى عاد الابن إليه وقد أعاد ترتيب الخريطة، فتساءل الأب مذهولاً: هل كانت أمك تعلمك الجغرافيا؟! رد الطفل قائلاً: لا؛ لكن كانت هناك صورة لإنسان على الوجه الآخر من الورقة، وعندما أعدت بناء الإنسان، أعدت بناء العالم.
كانت عبارة عفوية، ولكنها كانت جميلة وذات معنى عميق عندما أعدت بناء الإنسان أعدت بناء العالم.
تعد عملية بناء الإنسان عملية شائكة ومعقدة، تبدأ من تعريف عملية البناء بذاتها، وتنتهي بسلسلة الخطوات والإجراءات التي تفضي إلى تحقيق الهدف الأسمى والأنبل وهو البناء الحقيقي للإنسان، وحتى نفهم المصطلح على وجه الدقة لابد من تشريحه إلى مكوناته الأساسية، فالإنسان الحق هو المواطن الصالح الذي يمتلك كفايات معرفية وكفايات مهارية وثالثة قيمية بالدرجة التي تمكنه من خدمة وطنه والارتقاء به، وتعود عليه ايضا بالحياة الكريمة. وهذه الكفايات لا تكون إلا مجتمعة ولا تقبل القسمة إلا على نفسها، فأي نقص في إحدى هذه الكفايات منفردة أو مقترنة سوف يفضي إلى اختلال، ولن ينتج سوى جاهل أو مدعٍ أو مستبد.
وبناء على تلك المعادلة السهلة في تصورها، الصعبة في تطبيقها كانت مسؤولية بناء الإنسان عظيمة، وتشترك في تحمل أعبائها عدة مؤسسات أهمها الأسرة والمدرسة والإعلام، ولا أبالغ إن قلت أن مؤسسة التعليم تتحمل العبء الأكبر في تحقيق معادلة بناء الإنسان استنادا الى آمال المجتمع والأسرة على أقل تقدير، لذا جاء دور وزارات التربية والتعليم عبر المناهج التعليمية في كافة المراحل الدراسية تستهدف تعليم المعرفة والمهارة والقيم.
وشأن أي هدف يرجى تحقيقة لابد من وجود وسائل واستراتيجيات وطرائق تفضي إلى تحقيق ذلك الهدف، ولعل من ترف القول أن وزارة التربية والتعليم تسعى لتبني أفضل الإستراتيجيات والأدوات العالمية لتحقيق رؤيتها في "مجتمع تربوي ريادي مُنتمٍ مشارك ملتزم بالقيم نهجه العلم والتميز وصولاً للعالمية"، وافترض أنها تركت الباب مشرعا لتبني مبادرات ميدانية تسهم في عملية بناء الإنسان وتحقق الأهداف المرجوة.
وعليه أطرح اليوم مبادرة أخالها متميزة في فكرتها، منسجمة مع توجهات وزارة التربية والتعليم في تبني نهج القراءة لتحقيق الريادة، وتتخذ من تسمية مبادرة المدرسة القارئة عنوان لها، تقوم على فكرة التتنافس بين مدارس المديرات المختلفة للفوز بوسام المدرسة القارئة لكل مرحلة تعليمية، وذلك من خلال تخطيط وتنفيذ مبادرات وأنشطة قرائية على مدار العام، تستند إلى إحتياجات كل مدرسة باعتبار هذه الأنشطة القرائية رافدة ومعززة للمناهج الدراسية، ضمن دليل إرشادي واضح، ويستند إلى معايير واوزان محددة في استمارة تقييم مخصصة للمفاضلة بين ملفات الانشطة القرائية المقدمة من المدارس المشاركة.
ولعل أهم ما يميز المبادرة المقترحة أنها تستهدف جميع طلبة المدارس المشاركة، وفي كافة المستويات التعليمية، كما وتشمل المبادرة القراءات باللغتين العربية والإنجليزية، وتشرك أولياء الأمور والمعلمين باعتبارهم نموذجا وقدوة، وذلك ضمن مسارين متوازيين هما، مسار القراءة الحرة التي تشبع رغبات القارئ في قراءة موضوعات محببة مثل القصص القصيرة والروايات وغيرها، ومسار القراءة الموجهة نحو مناسبات وطنية أو نحو قراءات بحثية تعزز الكفايات المعرفية و وتنمي الكفايات المهارية من خلال البحث والاستكشاف.
ويجدر الإشارة أيضا إلى أن أنشطة مبادرة المدرسة القارئة لا تقتصر على فعل القراءة وفهم المحتوى أو الاستيعاب القرائي في سياقه التقليدي فحسب، بل تتعداه إلى تطبيقات مبتكرة مثل التعبير والكتابة الإبداعية، والخط العربي، والرسم والتعبير عن الصور، والتمثيل الدرامي لبعض النصوص المسرحية، وتنفيذ جلسات حوارية مع شخصيات أدبية، وزيارات ميدانية وافتراضية إلى مكتبات ومعارض.
وأكاد أجزم أن مدارسنا من خلال إداراتها المؤهلة، ومعلمينا المبدعين، وطلبتنا المتميزين قادرون على تنفذ بنود ومعايير مبادرة مسابقة المدرسة القارئة بشكل إبداعي ومتفرد من خلال ربط مبادرة المدرسة القارئة بالمبادرات الوزارية، واستخدام تقنيات حديثة أثناء التنفيذ، وقياس أثر المبادرة في تغيير ثقافة المدرسة كمنظومة تعليمية تعلمية، وذلك بالتشارك مع مؤسسات المجتمع المحلي.
ولا أغالي إن قلت أن جميع المدارس المشاركة فائزة، ففي القراءة لا يوجد خاسر بل الكل رابح على الدوام، لأن كل مدرسة مشاركة تكون قد طبقت عمليا قول رب العزة سبحانه وتعالى "سنقرؤك فلا تنسى"، وكل مدرسة تكون قد أسهمت فعليا في اكتساب الكفايات المعرفية والمهارية والقيمية التي تشكل أساسيات بناء الإنسان، وبالتالي تحقق رؤية وزارة التربية والتعليم.
"امين القضاة"