قراءة في مشروع قانون حقوق الطفل
د. أشرف الراعي
15-08-2022 11:59 AM
جدل يدور في الأروقة حول مشروع قانون حقوق الطفل المعروض على البرلمان الأردني، والذي شهد انتقادات واسعة، لكنه حظي في المقابل بالكثير من الدعم من قبل عدد من القانونيين الذين يرونه يصب في صالح حقوق الطفل في المملكة.
بالعودة إلى القانون فإن أكثر المواد التي لقيت معارضة هي المواد 6 و والفقرة 7 / أ والفقرة 8 / أ من القانون والفقرة 24 / ج منه و 16 / ج كذلك؛ حيث سأوردها هنا وأورد تعليقاً على كل منها تباعاً:
1-الفقرة أ من المادة 7 من مشروع القانون تنص على أنه "مع مراعاة التشريعات النافذة للطفل الحق في التعبير عن آرائه سواء بالقول أوالكتابة أو الطباعة أو الفن أو بأي وسيلة أخرى يختارها وتولى آراء الطفل الاعتبار وفقاً لسنه ودرجة نضجه".
تشكل هذه الفقرة تكريساً مهماً لحق الإنسان في التعبير عن آرائه؛ فمن المعروف أن حق حرية الرأي والتعبير مكفول في الدستور الأردني (وهو أعلى تشريع في المملكة) بنص المادة 15/ 1 والتي قالت "لكل أردني (ولم يحدد ذلك بعمر معين) أن يعرب عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير.."، كما قيدت هذه المادة الدستورية الالتزام بحدود القانون وعدم مخالفته، وهو ما كرسته بوضوح الفقرة أ / 7 من مشروع قانون حقوق الطفل باعتباره حقاً لصيقاً بالإنسان يولد معه ويعيش معه كل حياته.
ولضمان حماية الطفل أضافت الفقرة 7 / أ من مشروع القانون حماية إضافية بأن قالت المادة مؤكدة على ذلك "مع مراعاة التشريعات النافذة"؛ أي أن هذا الحق ليس مُطلقاً بل مقيداً بحقوق عائلته ووالديه في تربيته، ومُقيد أيضاً بعدم خروج الطفل على على القوانين النافذة التي تجرم بعض الممارسات التي تتعارض مع روح المجتمع وعقائده الدينية وتقاليده (تراجع في ذلك المادة 8 / أ من ذات القانون وقبلها المادة 6 من الدستور الأردني).
2- ينص البند (أ) من المادة (8) على أن "للطفل الحق في احترام حياته الخاصة، ويُحظر تعريضه لأي تدخل تعسفي أو إجراء غير قانوني في حياته أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، كما يُحظر المساس بشرفه أو سمعته، مع مراعاة حقوق وواجبات والديه أو من يقوم مقامهما وفقا للتشريعات ذات العلاقة".
إن تكريس حرمة الحياة الخاصة في القانون، هو تكريس لمفهوم احترام حرمة الحياة الخاصة الواردة أيضاً في الدستور الأردني، فله الحق باعتبار هذا الحق من الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان كما هو حال حق حرية الرأي والتعبير في عدم التدخل التعسفي بحياته أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، وذلك وارد في إطار الحماية العائلية له؛ وهو ما أكدته الفقرة ذاتها عندما قالت مع مراعاة "حقوق وواجبات والديه أو من يقوم مقامهما" وفي ذلك تقييد.
أما التقييد الثاني الذي قررته المادة ذاتها فيأتي بقولها "وفقاً للتشريعات ذات العلاقة"، فلا يجوز أن يكون حقه في احترام خصوصيته على حساب مخالفة تشريعات قانونية أخرى أو بما يخل بحقوق والديه في التربية.
3- يقرر البند (ج) من المادة (24) أنه "يُتاح للطفل الاتصال مع مقدمي خدمات المساعدة القانونية دون أي قيد".
إن هذا البند يعد من أهم البنود في القانون؛ فما الذي يمنع الطفل من التواصل مع خدمات المساعدة القانونية مثل إدارة حماية الأسرة إذا ما تعرض لانتهاك أو تعسف أو استغلال له ولحقوقه لمساعدته، وبما لا يخل في حقوق والديه وواجباتهما وفقاً لما هو وارد في نص الفقرة 8 / أ من القانون (حيث من المعلوم لدى القانونيين أن القوانين تقرأ ككل متكامل ولا يقرأ كل نص منفرداً عن غيره).
ومن الناحية الواقعية وليس القانونية سيمنع هذا النص الكثير من الآباء والقائمين على تربيتهم كالأيتام الذين يعيشون في كنف أحد أطراف العائلة من الاعتداء على حقوقهم وضربهم وإيذائهم والتعسف في ذلك، لذا فإن هذا النص يكرس هذه الحماية.
4- تنص المادة 16 / ج على أن "تقوم وزارة التربية والتعليم بالتنسيق مع الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات التي تكفل توفير برامج التوعية المتعلقة بنمو الطفل وتطوراته الجسدية والنفسية وصحته الجنسية وضمان تثقيفه وتوفير التربية الصحية له في كافة المراحل التعليمية بما يتوافق مع سنه وإدراكه".
بشأن هذه الفقرة ثارت ثائرة المعترضين على عبارة "صحته الجنسية" وكأنه أمر غير واقعي الحدوث من دون أن يقرأ المعترضون النص كاملاً؛ فالنص يتحدث عن دور وزارة التربية والتعليم في ذلك وهو دور موجود أصلاً حيث تحتوي المناهج الدراسية في الصفين التاسع والعاشر شرحاً متكاملاً للعملية الجنسية والتطورات التي تحدث للطفل حتى سن البلوغ، لا بل جاءت هذه الفقرة وقررت الحماية للطفل بأن لا يترك هذا الأمر على عواهنه بأن قيدت ذلك كله "بما يتوافق مع سنه وإدراكه"، بمعنى أن حقوق الطفل ستكون محمية لأن كل البرامج المقررة له ستكون متوافقة مع سنه وإدراكه بناء على استشارات نفسية وصحية تقوم بها وزارة التربية والتعليم كجهة رسمية.
وليس هذا فحسب بل صادق الأردن على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1991 والتي تضمنت ضرورة اتخاذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية وغيرها من التدابير الملائمة، لإعمال الحقوق المعترف بها في الاتفاقية مع تحفظه على بعض المواد، ومن المعلوم أن التحفظ يسقط إعمال النص في المعاهدة الدولية التي بالطبع لا تتجاوز الدستور؛ فالدستور هو التشريع الأول في الدولة، وهو الذي يقرر الحقوق والواجبات والالتزامات ويحددها في إطار القانون؛ فلا يجوز الخروج في تطبيقها على القانون.
وأخيراً، اسمحوا لي أن أشير إلى المواد التي تم التحفظ عليها في المعاهدة وهي المواد 14 المتعلقة بحرية الفكر والوجدان والدين، والمادتين 20 و21 المتعلقتين بنظام التبني والرعاية البديلة للطفل المحروم بصفة دائمة أو مؤقتة من بيئته العائلية".
إن هذا القانون هو دستور متكامل لحقوق الطفل تأخرنا في إقراره؛ حيث يكرس وجوده تطبيق نص المادة 6 من الدستور الأردني الذي ينص في الفقرة 4 منه على أنه "الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي ويقوي أواصرها وقيمها"، كما ينص في الفقرة 5 منه على أنه "يحمي القانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ويعزز مشاركتهم وإندماجهم في مناحي الحياة المختلفة، كما يحمي الأمومة والطفولة والشيخوخة ويرعى النشء ويمنع الإساءة والاستغلال"، الأمر الذي يعني معه عدم جواز مخالفة قانون حقوق الطفل لهذا النص وإلا فإننا نكون بصدد قانون "غير دستوري".
على أية حال، مشروع القانون يسير في إطاره التشريعي وإن كان الخلاف على بعض النصوص يمكن تحسين صياغتها قانونياً، لكن نسف القانون برمته ليس من العدالة في شيء .