لا يختلف سلمان رشدي عن غيرِهِ ممن خاضوا في سيرةِ الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام و في سيرةِ آلِ بيتهِ الأكرمين فكلهم فعل هذا كتابةً و رسماً و حديثاً من منطلقات الإهانةِ للرسول و آلهِ و تصغيرِ رسالتهِ و تشويهِ الدين. و كلهم كما نعلم فشلوا و سيفشل غيرهم. لأن للدين و الذكر حافظٌ أعلى و أكبر من مكرهم. لم تنقطع هذه المحاولات منذ بعثِ الرسول و لن تتوقف. رد الفعل عليها هو الذي يختلف.
وقت "الآيات الشيطانية" التي نبذها كل عاقل أطلق الإمام الخميني سهماً عندما أَحلَّ دم رشدي. قال وقتها أن السهمَ انطلق و لا يعلم متى سيصل لرشدي. اتخذ هذا التهديد جَدِّيةً اعتبرها المراقبون تهويلاً لتصوير إيران بالإرهاب. لكن سلمان رشدي خضع لحمايةٍ خاصة أينما ذهب فقد اعتبرت السلطات حيثما ارتحل أن سهماً قد يصيبه و ها هو أصابه ربما في وقتٍ و مكانٍ لم يتوقعهما.
لسنا من يُحًّلل و يحرِّمً لكن رشدي و من تلاهُ من كتبةٍ و رسَّامين امتحنوا إيمان و حب و دفاع المسلمين عن المصطفى. و كان الدفاع يتراوح بين الفعل المباشر و غير المباشر. رأينا الملاسنات و عراكِ الشوارع و مطاردة حارقي المصحف و رأينا سفك الدم و المقاطعة التجارية و قطع العلاقات وكذلك محاولات التقريب بين الأديان لعلها تُجدي في ردعِ هذه التجاوزات على نبينا و ديننا. كان و يستمر صراعاً أم هو سباقاً بين حماقةٍ و حقدٍ و محبةٍ و إيمان و بين رد فعلٍ يخاطب العقل و آخر يخاطب العاطفة.
لا يريد الكثير في الغرب أن يكسر قاعدةَ الحرية التي تسمح بالتجاوز المُسيئ و يلتزم بحمايةِ حرية التعبير عن الرأي ولو آذت مليار مسلم. رد الفعلِ على محاولة قتل رشدي أتت مؤيدةً لهذه القاعدة من بايدن و ماكرون و شولتز و غيرهم. والحقيقة أنهم لا يهتمون للسخرية من الأنبياء عموماً و الإعلام يذكر ما هَبَّ و دَبَّ من المُسيئات بِحقِّ الأديان و الأنبياء بل أنهم لم يراعوا حتى السيدة مريم عليها السلام. وحْدَها الصهيونية و اليهودية بما تمثلهُ "إسرائيل" هي ما يقفون عنده و يتعهدون الماسِّ بهما بأقسى العقوبات. لا دينية الغرب الإعلامية المدينية لا تمنع زعماء الغرب من ارتياد الكنائس و المعابد و دعوة المسلمين لإفطار رمضان وزيارة المساجد. لكن هذا شيء وذاك شيء. عندهم حرية التعبير مهما أساءت محمية مع بعض الاستثناءات المصنفة بأنها أمْنية كمعاداة السامية أو التحدث عن اغتيال رئيس أو عملٍ إرهابي. و هي عندهم حريةٌ أعلى شأناً من أي دين. لهم دينهم ولنا ديننا. نحن مسلمون و مسيحيون لا نتجاوز على الرسلِ و الأنبياء و الأديان. قداستهم لدينا جزءٌ أساسيٌ من حياتنا بل هي الحياة.
سيشمت الكثير بسلمان رشدي و لهُ الحق لأن فعلته مقيتة لكن هذا لا ينفي أن ما حدث له كان جريمةً ارتكبها مواطنٌ أمريكي ببلاده مُعتقداً أنهُ يثأرَ للنبي عليه الصلاة و السلام و هو سيُحاسبُ قانونياً بحسابِ الدنيا ويبقى رشدي يحملُ جراحهُ لتذكيرهِ بالنقمةِ التي ابتدعها فارتدت عليه. هل يرتدع أم يتوب؟ لا ندري و لا نهتم كثيراً له. و الحقيقة أنه لا هو و لا الفتوى و لا السهم و لا الجريمتين، عندما كتبَ و عندما ضُرِبْ، تَهُمُ الإسلامَ و الرسولَ كثيراً لأنهما أعظمَ من أن يُمسَّا. لكن الذي يهم الإسلام و الرسول هو كيف و لماذا تُستباحَ الأُمة و تُحتلَ أراضيها و ثغورها و يُقتلُ شبابها وتُؤسرُ بناتها و يُعتدى على مقدساتها و الأمة ساكتة بل راقصة و مغنية. إن كان رشدي كاتباً كتبَ روايةً بائسةً فإن الأمة تعيشُ الرواية المأساة عن استباحةِ حياضها و"إسرائيل" هي المؤلف و الناشرُ لها. وهذا أقبح وأفظع من رشدي وروايته.