في افتقاد«سلسلة عالم المعرفة»
رمزي الغزوي
24-09-2010 05:54 AM
من موروثنا أن رجلاً كسر (ناعوسته) ، بعد أن دهمته نومة خفيفة في مجلس يضم الكثيرين ، وحين صحا ، سأل ، مستنكراً: هل نمتُ كثيراً؟ فقيل: نعم. عندها نفث صرخة محمومة ، ما تزال أصداؤها في الوجدان الشعبي: يا ويلااااااااااااه ، ليس لي صديق في هذا المجلس: لو كان لي صديق ، أو بعض صديق ، لتذكر وايقظني من نومتي.
لم ننسَ "عالم المعرفة" ، بل نتذكرها ، ونفتقدها ، ونسأل عنها ، وكيف وهو العالم الجميل ، المفيد القيم ، الذي لم يأخذ غفوة ، منذ ثلاثة عقود وأكثر ، في حياتنا العربية. نتذكرها بحنو ، ونسأل عن غيابها المفاجئ منذ أربعة أشهر. أين أنت أيها الكتاب الشهري؟ ماذا جرى؟ هل نفذ الحبر ، أم نفذ الدعم؟ فكلنا أصدقاء يتململون لغيابك ، ويسألون ، ويوقظون الفكرة كي لا تدخل سباتها ، في عالمنا العربي.
بعثتُ برسالة تفقد واطمئنان إلى إدارة سلسلة عالم المعرفة ، عبر البريد الإلكتروني ، بها أسال عن هذا الانقطاع المفاجئ ، ولم أتلق جواباً حتى الساعة. فسألت المكتبات ، وأكشاك الكتب ، والموزعين ، وكانوا كلهم يهزون رؤوسهم ، باستنكار يشبه النعي لهذه السلسلة الشهيرة: هل ، حقاً ، مات كتاب سلسلة عالم المعرفة الشهري؟.
من منا لم يتعلم شيئاً من هذه الإصدارات الهامة ، عبر سلسلة تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، في دولة الكويت الشقيقة؟ صدر العدد الأول منها مطلع عام 1978 ، ليصل عدد إصداراتها إلى ما يقرب 375 إصداراً ، في ضروب الثقافة شتى.
وعالم المعرفة سلسلة كتاب شهري ، لم تنقطع عن الإصدار ، إلا مدة سنة تقريباً ، إبان دخول العراقً الكويتَ ، ثم عاوت نشاطها المدروس والثري في دعم الثقافة العربية دعماً مادياً وثقافياً كبيرين ، حيث سعر الكتاب لا يتجاوز السبعين قرشاً ، بغية تزويد القارئ بمادة جيدة ، من الثقافة ، تغطي فروع المعرفة جميعها ، وربط هذا القارئ بأحدث التيارات الفكرية والثقافية المعاصرة.
عالجت السلسلة ، في إصداراتها ، الدراسات الإنسانية ، من تاريخ وفلسفة وأدب رحلات وعلم نفس ، وكذلك العلوم الاجتماعية من اجتماع واقتصاد وسياسة وعلم لغة ودراسات أدبية: عربية ، وعالمية ، ودراسات فنية في علم الجمال ، وفلسفة الفن والمسرح والموسيقى ، وكذلك الدراسات العلمية.. بأسلوب قريب من القارئ غير المتخصص.
شخصياً ، أدين بالعرفان والجميل لهذا السلسلة ، التي تعود معرفتي بها إلى ما يقرب الربع قرن ، وكنت طالباً في الإعدادية ، وعضواً في مركز شباب كفرنجة ، الذي كان يوفر لنا هذا الكتاب في مكتبته المتواضعة ، شهرياً ، ومن ذلك الوقت حرصت على التهام كل كتاب يصدر ، والاحتفاظ به في مكتبتي ، ثم حاولت أن أحصل - عن طريق مكتبات سقف السيل - على كل الإصدارات السابقة ، التي صدرت قبل أن أعي نفسي.
خلال دراستي في بغداد ، مطلع التسعينيات ، من القرن الماضي ، كانت السلسلة لا تصل بشكل طبيعي إلى العراق ، ولكني كنت أحصل عليها من تجار السوق السوداء في سوق (السراي) الشهير ، في شارع المتني ببغداد: كنت أحصل على تلك النسخ أولاً بأول. والآن تفخر مكتبتي ، أنها تزدهي بالغالبية العظمى من إصدارات عالم المعرفة.
كنت أنوي أن أكتب هذا المقال من شهرين ، ولكني قلت سأتريث قليلاً ، وسأرى: من يفتقد غياب هذا العملاق الثقافي ، من حياتنا العربية؟ أين أصدقاء عالم المعرفة؟ أين القراء ، بل أين عالم المعرفة؟ ولماذا هذه الغياب الصاعق؟ لعل المانعَ خيرّ. عد ، فنحن نفتقدك ، يا خبزنا الشهري.
ramzi279@hotmail.com
الدستور