في تقييمات عليا يبدو رئيس الوزراء بصورة مستقرة، ويحقق الكثير، وفقا للظروف المتاحة حاليا، وهذا يعني ان كل سيناريوهات التغيير التي أثيرت مرارا، حول رحيله اقرب الى التمنيات.
في تقييمات الطوابق العليا نسمع عن انجاز الحكومة وعبورها مع جهات ثانية لملفات محددة، ابرزها ملف التحديث السياسي، خطة التطوير الاقتصادي، وخطة الاصلاح الاداري، وبرغم وجود نقد طبيعي لبعض هذه الملفات، إلا أن التقييم العام يبدو جيدا بحق رئيس الوزراء.
في الوقت ذاته، فإن بقية الملفات يتم تقييمها بطريقة معينة، فالملف المالي مثلا، تحسن كثيرا بسبب زيادة تحصيلات الحكومة، وملف السياحة شهد قفزة كبيرة، وادارة ملف الطاقة،يجري دون مشاكل الى حد كبير، كما ان علاقة الحكومة ببقية المؤسسات السيادية تبدو مستقرة.
الخلاصة هنا تقول ان لا أسباب تدفع نحو انهاء تجربة الرئيس وحكومته بشكل مباغت، على طريقة السكتة القلبية السياسية المفاجئة، حتى ساعة كتابة هذه السطور، خصوصا، ان التغيير لمجرد التغيير قد يكون شكليا، واضاعة للوقت، وبلا غاية محددة.
رئيس الوزراء أبرق برسالة ذكية قبل يومين حين قال ” قلَّة قليلة تمارس السَّوداويَّة ولا ترى إلَّا السَّواد، مقابل أغلبيَّة قلوبها بيضاء وناصعة البياض وخُلقها كريم، تعمل من أجل وطننا الغالي ورفعته ومنَعَته” وبرقيته هنا محملة بالكثير من الاشارات على المستوى الشعبي والنخبوي”.
هو يقول فعليا، ان غالبية الاردنيين ليسوا سلبيين، ولا يخلطون بين المصاعب التي باتت سمة الحياة في كل دول العالم، من جهة، وبين موقفهم من بلدهم واستقراره، بشكل عام، اما القلة القليلة التي تمارس السوداوية، فهي قد تكون متفرغة لتخريب كل شيء، وافساد كل توجه، بما في ذلك طعن السلطة التنفيذية، وانتقاص اي انجازات لها، وصولا الى التشكيك باستقرار الدولة ذاتها، والتشكيك باستقرار الدولة، اخطر من الحروب الخارجية.
لا يقصد الرئيس هنا النقد الموضوعي المحترم المستند الى اسس، بل يقصد تعمد السوداوية، وبث الاحباط والخوف، وتسويد كل شيء، في سياقات لها مآرب ثانية بعيدا عن الاعين.
وكأنه يقول ان خصومه هنا نوعان، الاول يتعمد هز تجربة الحكومة لاعتبارات كيدية وسياسية وشخصية، وانتقاصها والتشويش عليها، حتى لو نجحت كليا او جزئيا، والثاني يلتحق بهذا الجو لسبب أو آخر، تأثرا او قناعة، فيما الغالبية تدرك ان ظروف الأردن معقدة وصعبة وحساسة، وليست نتاج المرحلة الحالية، مثلا، ولا نتيجة طبيعية لظروف طبيعية في المنطقة، بل مجرد تراكمات لا يجب ان تدفعنا الى جلد انفسنا، والانتحار كما الحيتان على الشواطئ.
الرئيس يتجنب الاضواء الى حد كبير، ويزهد في التصريحات، وهو من مدرسة تميل الى خفض حدة الاستعراض امام مواطنيه، وله في هذا رأي يقوم على اساس ان مهمة الرئيس وفريقه تقوم على العمل والانجاز، ولو ببطء وتدرج في ظل ظروف صعبة، بدلا من المجد الشخصي، لكن المثير في أدائه اصراره على بث الايجابية، والتفاؤل، في كل تصريحاته، التي يكررها مثنى وثلاث ورباع.
لا يمكن ان يكون هذا الخطاب شاعريا من رئيس حكومة، لولا انه يستند الى تصور معين، قد لا تجري المكاشفة حاليا بشأن معلوماته واسراره، وعلى اي اساس تم طرح هذه التوقعات.
الازمة الاساس في الأردن تكمن في الملف الاقتصادي، فكل الانجازات الحكومية يتم قياسها شعبيا على ارض الواقع، من حيث الغلاء، مثلا، او البطالة، وغير ذلك، وهنا فإن حسابات من يجلس في الدوار الرابع، تبدو مختلفة، بسبب فروقات المعلومات بين الطرفين، اي الرئاسة والشارع، خصوصا، ان التراجعات الاقتصادية اليوم، لم تعد سمة اردنية، بل حالة عالمية.
ربما يتوجب القول اليوم، ان القصة لم تعد قدح اداء الرئيس، عبر التسلط اليومي عليه، ولا مدح الرئيس على اداء المهمات المطلوبة منه اصلا، بل تكمن كل القصة في وصولنا معا الى صيغة وسطى، نفصل فيها الدافع الشخصي عن الدافع العام، وان نسعى لتحسين الوضع الحالي، دون ان تكون مهمتنا فقط، اطلاق السهام يمينا ويسارا، بشكل عشوائي يدمي الجميع.
ثنائية خصوم الرئيس وانصاره، يجب ان تنتهي، على كلمة سواء، من اجل تهدئة الاجواء، وانصاف من يعمل، ونقد من لا يعمل، حتى نعبر بالأردن كل مخاضات الاقليم.
الغد