لم أعتد أن أروج للحكومات ولا لسياساتها ، فلها أهلها وكتابها الذين يقومون بالواجب وزيادة ، فليس من واجب الكاتب المستقل أن يحرق البخور للحكومات ولا أن يزين قراراتها ، بل إنني اشعر أن الغالبية الساحقة من هذه القرارات لا يمكن تسويقها ، وهي ليست شعبية ومُرة ولكن لا بد منها ، كما قال رئيس الحكومة بالأمس ، وهو يستضيف على مائدة الغداء رؤساء تحرير الصحف اليومية وعددا من كتابها اليوميين.
التقيت الرئيس قبل هذه المرة حينما زارنا في الدستور ، والتقيته مرات عدة قبل أن يصبح رئيسا للوزراء ، هذه المرة بصراحة متناهية كانت مختلفة قليلا ، خرجت بعد اللقاء بقناعة أحب أن أنقلها إلى القراء بمنتهى الأمانة والصدق ، من باب تبليغ جملة من الرسائل لأصحابها.
أول هذه الرسائل للحركة الإسلامية التي أتشرف بأن أكون جزءا منها ، رغم ما بيني وبينها من خلافات في الرأي أحيانا ، والرسالة أن على الحركة أن تعيد فعلا النظر في موقفها المقاطع للانتخابات ، لأنني على يقين الآن بجدية الحكومة في وعودها في مسألة نزاهة الانتخابات ، وهو التخوف الرئيس الذي قلب رأي قواعد الحركة ودفعهم للاتجاه للتصويت لخيار المقاطعة ، ويمكن لقيادة الحركة أن تعيد استفتاء القواعد على تغيير موقفها في ضوء المعطيات التي لمسها قادة الحركة الذين التقوا الرئيس ، وخرجوا للحديث عن "إيجابية" هذه الأجواء ، المسألة تحتاج لموقف جريء يفحص مصداقية الخطاب الرسمي ، وبوسع الحركة الحديث عن مجريات العملية الانتخابية والانسحاب منها في أي مرحلة من المراجل يشعرون فيها أن البوصلة انحرفت عن طريقها،.
الرسالة الثانية لمن يحاربون الحكومة عبر غير طريقة ، بوضع العصي في دواليبها مباشرة أو غير مباشرة ، سواء من الصالونات السياسية أو غيرها ، ناهيك عن وجود بعض المُخذلين ربما ممن يدعون الحرص على مصلحة الرئيس ، ولهؤلاء نقول أن الرئيس يستحق أن يُعطى فرصة للعمل بهدوء ، ليس من أجل سواد عينيه فحسب وهو يستحق طبعا ، بل من أجل البلد ومصلحة البلد وأولاد البلد الذين أتعبهم تقلب الحكومات وكثرة التغيرات،.
ثالث هذه الرسائل للناس العاديين ، ولهم نقول ، أن هذا الرئيس جاء عقب تلال من الإجراءات والقرارات وربما التشريعات التي أوقعت البلد في جملة من الاحتقانات والأزمات ، اقتصادية وسياسية وربما اجتماعية ، وهو غير مسؤول بالقطع عنها ، وقد لمست شخصيا حرصا على تجاوزها ومداواة الجراح التي خلفتها ، فلم لا نعطيه الوقت المناسب لتصحيح ما اعوج على الرغم من الثمن الباهظ الذي ندفعه كمواطنين جراء تلك الأخطاء ، ولكن العودة عن الخطأ خير من التمادي فيه،.
أخيرا ، أعتقد أنه توفر لهذا الرئيس فرصة ذهبية لإعادة تصحيح كثير من الاعوجاجات ، والإخفاقات ، ويبقى عليه أن يفتح أبوابه للمخلصين والناصحين ، ويستمع بانتباه لكل من يحب هذا الوطن ، ومن يحرص على البناء على الانجاز ، ويؤشر على مواطن الخلل والزلل.
عن الدستور.