استقلال الجامعات والحريات الأكاديمية
د.يوسف الربابعة
23-09-2010 01:39 AM
كثر الحديث قبل سنوات على ضرورة استقلال الجامعات في الأردن من أجل الوصول إلى غايات العلم والمعرفة التي نهضت وتطورت بشكل ملحوظ، وكان لا بد لهذا التطور أن تقابله تشريعات أكاديمية من أجل النهوض بجوانب البحث العلمي والتنمية، وقد لاحظنا في الأيام الأخيرة عكس ما توقعنا، حيث زادت وزارة التعليم العالي من قبضتها وتدخلت فيما ليس من صلاحياتها، في محاولة لإعادة السلطة، وذلك هو بعينه عمل ضد استقلال الجامعات وحريتها، ولا أريد أن أخوض في تفاصيل التدخلات في الجامعات لكني أشير هنا إلى أن مفهوم استقلال الجامعة لا يأخذ مجراه الحقيقي ولا يتتقدم من دون تكريس مجموعة من الحريات الأكاديمية ودعم ممارستها, ويجب النظر إلى هذه الحريات على أنها ليست غاية بحد ذاتها ولا هي توظيف سياسي لدور الجامعة، بل وسيلة للارتقاء بالتعليم الجامعي ، وتطوير البحث العلمي والإبداع، كما أن الحريات الأكاديمية بوصفها إحدى مقومات استقلال الجامعة مسألة لاتحتاج إلي موارد وأموال ولا تتطلب إنشاء مبان أو تجهيزات، بل كل ما تحتاج إليه هو مجرد الاقتناع بحق الأكاديميين في إطلاق طاقاتهم وتوسيع دائرة مشاركتهم في صناعة القرار الأكاديمي وإزالة الرقابة عن الأنشطة الطلابية, ومن الصعب أن يتحقق هذا من دون كفالة الحريات الاكاديمية للطلاب والأساتذة معا.
وجزء من إشكالية الحريات الأكاديمية في الجامعات أنه تم تصويرها على أنها مطلب سياسي بحيث بدت كما لو أنها أداة للتجاذب السياسي، ومن المفترض أن تكون قضية تتعلق بصلب العملية التعليمية والبحث العلمي والدور التنويري للجامعة وانتماء الشباب, فهذه هي الجوانب المهمة في خطاب الحريات الأكاديمية, وهي إلى جانب ذلك مطلب مهني يمكن أن يعبر عن نفسه بجمعيات وروابط ونقابات.
وكنا نتوقع أن يصار بعد هذا التطور في أعداد الجامعات والطلاب إلى تطوير التشريعات من خلال إعطاء عموم أعضاء الهيئات التدريسية دورا فاعلا في دفع عملية تطوير الجامعة والمساهمة في صنع القرارات الأكاديمية، وهو ما لايتصور أن يتم من دون ممارسة حقيقية للحريات الأكاديمية, كما لا يمكن لنا أن نتصور نهضة علمية وفكرية دون إعادة النظر فيما يتعلق بالانشطة الطلابية التي أصبحت موضوعا مثيرا للجدل, حيث تم تجاهلها مدة طويلة بسبب مخاوف أمنية لاتخلو من مبالغة، ولم يكن مسموحا سوى بأنشطة شكلية ورمزية بلا تنوع ولا عمق ولاقاعدة طلابية عريضة تمارسها, وكانت النتيجة أن تحولت الجامعات إلى صراعات عشائرية وجهوية ومناطقية حتى تسلل هذا الداء إلى توزيع المناصب الأكاديمية في الجامعة.
إن الحريات الكاديمية لم تعد مطلبا هامشيا ترفيا بل هي حق إنساني، فقد نص القانون الدولي لحقوق الإنسان والصادر عام 1948 والقانون الدولي CESCR الصادر في عام 1966 في المادة (13) علي أن الحرية الأكاديمية في الجامعة هي من حق الأساتذة والطلبة كأفراد وكمجموعات.. وعلى أن يكون لهم الحرية في التعلم والبحث ونشر الأفكار عبر المناقشة الحرة والكتابة وكل أنواع الفنون، وكذلك الحق في نقد إدارة المؤسسة التعليمية بدون الخوف من أي اضطهاد أو عقاب، وينص الجزء الثاني من المادة 13 علي أنه لا بد أن تدار الجامعات كمؤسسات حرة مستقلة بعيدة عن النفوذ الحكومي. وتحتم هذه المادة أن يحافظ الأكاديميون على هذه الحرية ويحترموها وعلى المؤسسات أن تتعامل بشفافية كاملة مع كل الأمور الجامعية، كما نص القانون على أن حقوق الأكاديمي0ين تتمثل في:
* حرية التفكير وابتكار الأفكار الجديدة.
* حرية التعبير عن أفكارهم من خلال التدريس والمؤتمرات والبحث والمطبوعات، وينضوي تحت ذلك حرية تكوين الجمعيات (القانون الدولي ICCPR المادة 19).
* إزالة كل أنواع الرقابة على المطبوعات الأكاديمية.
* حرية التظاهر ضد المؤسسة التعليمية الحكومية ومنصوص عليها (المادة 21)
* حرية وضع قواعد وتنظيم إدارة الجامعة بدون تدخل الحكومة والأمن.
* حماية الجامعة من التدخل الحكومي أو من تدخل أفراد أو جماعات تابعة للحكومة أو مناهضة للحكومة لأن ذلك يؤدي إلي فقدان الحريات الأكاديمية.