الأردن وسياسة أمريكا الإقتصادية
د. حازم قشوع
10-08-2022 12:11 PM
يبدو أن ما ذهب إليه البعض أن سياسية امريكا الاقتصادية ليست في المسار الصحيح قد خلصوا الى هذه النتيجة من وحي استنتاج انطباعي وليس من واقع استخلاص موضوعي، حيث بنوا فرضياتهم على معطى مفاده يقول "إن الولايات المتحدة تقوم سياستها الاقتصادية على ردة فعل وليس على مبادرة فعل"، وهو استخلاص يجافي سياق الاحداث لأن سياسية ردة الفعل من المفترض أن تأتي من دواعي استجابة وعادة ما تكونها الظروف الموضوعية المحيط او تشكلها انعكاسات عوامل ذاتية لم تحقق مراميها فى منظومة الحوكمة وهى فرضية غير قائمة على التقدير الضمني ولا متماشيه مع واقع الاحداث.
فالادارة الامريكية تقوم برفع اسعار الفائدة بطريقة تصاعدية على الرغم من ان معدلات التضخم التي وصلت الى نسب تاريخية عندما وصلت بمعدلاتها 7% ، ولقد كان من الطبيعي ان تنتهج السياسية الامريكية منحى مغاير عن الذي انتهجته سياستها الاقتصادية عندما قامت الخزانة الامريكية باتخاذ سياسية تقوم على الزيادة الشهرية لاسعار الفائدة على الدولار حيث بدأت من الدرجة الصفوية وتصاعدت عبر متوالية في الرفع قد تصل فيها الى 4%، وهذا ما يعني انها تقوم على مبادرة فعل وليس الى ردة فعل.
وأما الاهداف من وراء ذلك، فإنها تتلخص بتخفيض اسعار المنتجات وخفض معدلات الاستهلاك وتقليل سقوف الرفاهية لتكون عند الحدود مقبولة كما تستهدف عودة الاموال الى حواضنها البنكية الامريكية لامتصاص السيولية النقدية على الصعيد الداخلي، وأما على الصعيد الخارجي فيتوقع المراقبين عودة اموال الاستثمارات التي كانت موجودة في الخارج الى داخل الولايات المتحدة فلقد زال سبب بقائها في البورصات العالمية عندما كانت اسعار الفائدة صفرية، وهذا ما قد يقود الى منازل نشطة في بورصة داون جونس وناسداك وملاذات سيلكون فالي، كما ينتظر ان تشكل هذه السياسات انعكاسات سلبية في الدول التي كانت متواجدة فيها هذه الاموال ويتوقع ان يولد في حواضنها حالات من الركود تطال الاسواق كما حركة العملات اذا لم تكن ثابتة بواقع ربط مالي او موجودات داعمة للعملة النقدية.
هذا ما يفسر حالة التذبذب الناشئة جراء هذا المتغير في السياسية الاقتصادية للولايات المتحدة واسقاطاتها على الدول الصاعدة غير النفطية وهو ما بينه خروج اكثر 30 مليار دولار من مصر خلال الثلاث اشهر السابقة كما من الهند والبرازيل وتركيا بنسب متفاوتة مع تسارع وتيرة عودة الاستشمارات الى الحواضن الامريكية، وبهذا يكون الاقتصاد الامريكي قد غير مذهبه الاقتصادي من منزلة مصدر الى مكانة مستقبل .
فمنذ عهد الرئيس نيكسون الذي اعتبر عهده علامة فارقة للاقتصاد لم يشهد الاقتصاد الامريكي هذا التغير العميق الذي يشهده، فلقد
قام نيكسون في حينها باعتبار الدولار مرجعية نقدية بعدما كانت مرجعية الدولار مرتبطة بالذهب عام 1971 ، ولم تشهد الولايات المتحدة طباعة نقدية كبيرة كتلك التي بدأت تشهدها عام 2008 مع دخول البشرية في ازمة الاقتصاد العالمي عندما قامت بطباعة اربعة ترليون دولار، لكن تأثير هذه الطباعة كان محدودا نسبيا بسبب بقاء هذه الاموال في البنوك ولم تدخل في حينها للاسواق .
يبدو ان سياسية الرئيس جو بايدن الحالية تعتزم ادخال هذه الاموال النقدية للاسواق الامريكية، لكن عن طريق انشاء مصانع والاستثمار بالمنتجات التقليدية والمعرفية وهذا ما سيقوم بتوطين المنتجات الامريكية ووقف سياسية الاعتماد على الغير بالتصنيع والانتاج بعد التجربة الصينية التي اثبت فشلها من منظور امريكي، لكن هذه السياسة ستجعل من المنتجات الامريكية غالية نسبيا لا سيما بعد ان قامت الادارة الامريكية برفع الحد الادنى للاجور .
وهو ما يجعل من المنتج الامريكي غير منافس للصين كما للاتحاد الاوروبي بعد ما قامت هي الاخرى بتنزيل القيمة الصرفية لليورو وهذا ما يجعلها منافسة للصين وتركيا، فهل سيقوم الرئيس جو بايدن بدعم المننتجات الامريكية المصدرة لتحقيق فضاءات اوسع في الاسواق العالميه؟، ان حدث ذلك فان الرئيس جو بايدن سيكون على موعد من تسجيل علامة فارقة في السياسية الاقتصادية لكنه سيكون بحاجة الى 10 مليون مهاجر جديد كما تشير قراءات مطبخ القرار وليس عناوينه .
وذلك مع هبوط معدلات الانتاجية في الولايات المتحدة للربع الثاني على التوالي بسبب ارتفاع كلف الموارد البشرية ووجود شواغر كبيرة في الولايات الوسطى التي تمتلك الموارد الطبيعية ولا تمتلك موارد بشرية وهي الولايات التي تقع في قلب امريكا وكذلك دفع الرئيس جو بايدن بانتاج النواقل او الشرائج الرئيسية في نظام الضوابط التكنولوجي لاتاحة المنافسة مع الصين من واقع عودة المصانع الناتجة في تايوان والتي يشكل انتاجها اكثر من 60% من انتاج الشرائح الناقلة في العالم .
الامر الذي يفتح افاق اوسع للتغير الديموغرافي في الولاية الوسطى المستهدفة عبر حركة عمالة تقوم على الاستفادة من مناخات الاستثمار بتشغيل عجلة الاقتصاد بما يسارع دوران عجلة الاقتصاد لتستفيد منها الولايات الانتاجية في دعم النائج المحلي والتنموي كما يستفيد منها الاقتصاد الامريكي مع عودة القطاعات الانتاجية .
وهنا يبرز دور الاردن باعتباره احد اهم حواضن استقطاب للموارد البشرية، لاسيما والاردن يمتلك موارد مهنية وحرفية مدربة، ويمتلك ايضا خبرات تقنية في مجالات الصناعة المعرفية والصناعات التقليدية وهو ما يجعل من الشباب الاردني حري بالتوظيف والاستقطاب وهذا ما يشكل مدخل مهم للاستثمار في الموارد البشرية .
وفي ظل العلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين وظروف البطالة الواقعة في المجتمع الاردني بين فئة الشباب المتعلم والمهني والحرفي والتقني المستهدف بحواضن الهجرة الامريكية، فان قيام الولايات المتحدة بتخصيص كوتا للاردن سيعتبر رسالة داعمة للفئة الشبابية التي تبحث عن فرص عمل ما زالت غير متوفرة لها على المستوى المحلي .
لاسيما وان برنامج العمل الذي يقوم عليه ولي العهد الامير الحسين في صقل واعداد ومتابعة الشباب عبر برنامج التمكين الشبابي يشكل ارضية خصبة للاستثمار في الموارد البشرية وذلك عبر الاستثمار بالعلاقات الاردنية وهو ما يعد خير استثمار في ظل القوة الدبلوماسية للسياسية الاردنية التي يقودها زعيم الدبلوماسية الدولية جلالة الملك والذي بدأ يعد العدة للعودة الى الولايات المتحدة في شهر ايلول القادم مع انطلاق الاجتماع السنوي للجمعية العمومية في نيويورك .