إصلاح الإدارة العامة للدولة
د. عدنان سعد الزعبي
10-08-2022 11:31 AM
اهتمام الناس بموضوع الإصلاحات المتعلقة بإدارة الدولة قضية طبيعية خاصة وأن المواطن هو المتأثر المباشر وغير المباشر من آداء مؤساست الدولة والأجهزة المساندة الأخرى ، التي تعتمد التنسيق وضبط إيقاعها بتناغم ومشاركة وتكاملية . فرسم حاضر ومستقبل الوطن وبناء استراتيجيات واضحة وعملية قادرة على تمكين الناس من التوافق مع متطلبات النهوض والتطور وتحقيق الامال والتطلعات كل ذلك سيساهم في الخطوة الأولى لرسم سياسة الإصلاح.
لا يختلف الأردن عن سنغافورة في عناصر تكوين الدولة وخاصة خصائص المواطن بمعرفته وثقافته وتخصصه وابداعاته ، إضافة الى حالة الامن والاستقرار الذي يعتبر المناخ الأهم في نمو القطاعات وتجذرها ورسوخها . وهنا يبرز سؤال الإشكالية الوطنية و مشكلة اصلاح إدارةمؤسسات الدولة : لماذا نحن نتأخر وامثالنا يتقدمون ، لماذا نحرث جميعنا في الهواء والماء وغيرنا يحصد جهده نواتج ومقدرات وخيرات ، لماذا نعيش الفقر والبطالة والجوع رغم كل ما لدينا ، وغيرنا يتنعم بحياة كريمة مستقرة واعدة . لماذا نرضى نغمة الشفقة وتقبل المساعدات المشروطة , ونحن قادرون على إدارة انفسنا والاكتفاء بذاتنا ؟!؟ فهل الجواب في السياسة وخنوعنا للهيمنة ، أم في الإدارة التي رسم لها أن تكون هكذا لنحصد ما نحن فيه من نتائج ، أم بالظروف المحيطة ؟ ام جميعها معا.
القطاع العام قطاع مهم واساسي لبقية قطاعات المجتمع ، فهو القاعدة الذي يمكن بقية القطاعات من السير والمشاركة ومواجهة تحديات الوطن وأدارة خطواتها . فادارة القطاع العام هو علم له نظرياته وقواعده وفرضياته ، وليس مجرد اجتهادات وتوقعات غير مبنية على خبرة مدروسة طبقت في أجواء ومناخات تماثلنا ! خاصة ونحن سئمنا كثرة الاقتراحات والتجارب والخطط التي لم تغنينا عن شيء ولم تسد رمقنا .
دور الحكومة هو بالأساس تمكين القطاعات الأخرى والاشراف على الاستراتيجية الوطنية الشاملة لكل القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ،والصحية، والموارد البشرية والطبيعية والاستثمار بها للوصول الى افضل منتوج .
المواطن يريد من الحكومة حقوقه التي بينها الدستور ، في الامن النفسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري .والصحي ...الخ . يريد من الحكومة ان يطمئن على مستقبله ومستقبل أبنائه ضمن عقد شراكه يحدد الحقوق والواجبات التي تحترم كرامة الفرد وتحفظ له حقوقه في كافة مراحل حياته . يريد من الحكومة تعاملا كريما وخدمة متطورة تحترمه في جهده ووقته وماله ، وأن يشعر بان موظف الحكومة هو موجود لخدمته ضمن اطار الاحترام المتبادل ، وان يشعر بكفاءة أجهزة الدولة وتطورها ، وخدمتها المستمرة للمواطن . جنبا الى جنب وجود الشفافية والنزاهة والتوازن والترفع والمساواه كخصائص سلوكية تعنون مسيرة الموظف مهما كانت درجته ومستواه وخلفيته .
من حق الحكومة ان تقدم تصوراتها لادارة الدولة وتجتهد ، لكن المطلوب منها ان تكون هذه الاقتراحات وهذه الخارطة ، مدروسة وبدقة ومن قبل خبراء معنيين بالتجربة الأردنية ومسيرتها، وليس مجرد مقترحات لوزراء أو موظفين جدد وصلوا لمواقع متقدمة ،لا تسعفهم خبرتهم أن يقدمو ما هو عملي وواقعي يمكن تطبيقه .خاصة وأن إدارة الدولة ما زالت تعاني من قرارات فردية واجتهادات استعراضية ، اتخذت في وقت ضياع الحكومات ، وأدت الى تفريغ دوائر الدولة من الاكفاء والخبراء وأصحاب الجرأة والقرار الصائب ،والمدركين لواقع التحدي وسبل التعامل معه ومع أزماته ؟ فهذا القرار الفردي معاناة كبيرة شكى منها الوزراء ،وتذمروا من عدم قدرتهم محاكات دور القطاع العام في مجارات وتنفيذ شروط ومتطلبات ودراسات الممولين ك(usaid, GIZ, UNDP, ....الخ ). وخاصة في المشاريع الاستراتيجية .
القضية لست مجرد تقديم خارطة طريق لعمل الإصلاح الإداري لمؤسسات الدولة ، بل الأساس يكمن بوجود إرادة حقيقية للتخلص ممن هم عالة على مسيرة الإصلاح الإداري ، ومن هم يعطلون مسيرة التقدم ، وممن يمارسون الفساد الإداري والمالي على حد سواء ، فمتى شعر المواطن بأن صاحب المنصب يستحقه لكفاءته ووضوحه واجتهاده لصالح الجميع ، و أن الموظف والمسؤول يمارسون شعار وسلوك المساواه والعدالة . ومتى أحس المواطن ان الموظف والمسؤول موجود لخدمته ويسعى معه لمعالجة ماشكله وفق اطار القانون ، وعندما يجد المواطن من أن الموظف متواضعا والمسؤول يشرع ابوابه لخدمة الناس ، وأن الصلاحيات للمدراء في المحافظات والالوية وبأسلوب الاحترام ، عندها سنقول أن هناك اصلاح أداري للدولة ، فما الفائدة من دمج مؤسسات ، أو فك أخرى ، وما الفائدة من كل برامج التأهيل والتطوير ونحن لا نملك القدرة على التعامل مع فاسد ، أو مستغل للوظيفة ، يتعامل مع الناس بمستويات منفعية ومصلحة .
كلنا نريد الإصلاح ، ومتشوقون للوصول للحكومة الالكترونية اسوة بغيرنا اممن سبقونا وبوقت قياسي ، ، ؟! نريد خطة عملية لها أهدافها وتواريخها وأدوات قياسها ومسؤوليات وأوقات محددة ، وقرارات صارمة بحق كل من يتقاعس ، أو غير قادر على العطاء . انتهى زمن الرعاية العامة بل يجب تحقيق مبدأ المسؤولية العامة ومشاركة الجميع في القطاعين العام والخاص وفق مبدأ التشاركية والتكاملية ،بل تمكين القطاع الخاص للقيام بأعمال الدولة وباشراف ومتابعة ومراقبة الدولة كما هو الحال بكل الدول الناجحة . فهل ، سيناقش النواب، خارطة طريق الحكومة بكل ما ذكرنا وبمسؤولية وطنية ، وفكر متعمق ومصلحة عامة ، فمجلس الامة هم المطبخ الحقيقي لترسيخ قواعد السياسات والاستراتيجيات الوطنية .