facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




جمهور الثقافة


د.سالم الدهام
09-08-2022 08:27 PM

بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا على القيمة والوزن النوعيين لبعض مفردات المشهد الثقافي التي نطالعها في مظانها، وبالرغم من تزامنها في أيام معدودات، فإن جمهور الثقافة في تراجع مستمر، فثمة فعاليات ثقافية تقام ولا يحضرها سوى المشاركين والمنظمين، وقبل أيام قليلة في البتراء أقيمت فعالية لم يحضرها سوى الراعي والمنظمين، والمسرح الجاد ليس أسعد حالا، وكذا القصة، والرواية، والندوات الفكرية والحوارات الثقافية سواء تلك التي تقترب من واقع جمهور الناس واهتماماتهم، أو التي تذهب باتجاه الجمهور النوعي من المتعلمين والمثقفين والكتاب.

الكتاب الورقي يعرض بأقل الأسعار التي لا تكاد تعادل سعر الظرف الذي يحتويه ولا يجد من يقبل عليه بالرغم من وجود عناوين متنوعة ومهمة وشائقة، والكتاب الإلكتروني ليس عن ذلك ببعيد...عدد المتابعين لا يكاد يتجاوزون أصابع اليدين، ويتناوبون الحضور بينهم، وعادة ما يكونون من الكتاب ومنتجي الفعل الثقافي الذين يحضرون لمجاملة أصدقائهم وزملائهم، أو للتنفيس عما بداخلهم وتسويق أفكارهم، ولفت الأنظار إليهم، وإبراز ما لديهم من قدرات، إنهم يعانون من التهميش بسبب عدم وجود متلقين حقيقيين يتفاعلون مع أفكارهم وكتبهم ونتاجاتهم؛ ولذلك فإنهم يتحولون في لحظة إلى جمهور لمؤازرة بعضهم، إنهم يكتبون لبعضهم ويستمعون ويحاورون بعضهم بعيدا عن القاعدة الشعبية العريضة المستهدفة.

ترى هل فقدنا الاتصال بالقواعد المجتمعية العامة؟ وهل كانت ذات يوم أفضل مما هي عليه الآن؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن وصل ما انقطع؟ وهل المشكلة في المحتوى الذي يقدم ،أم في الشكل الذي يقدم فيه المحتوى، أم في الأسلوب، أم في عدم القناعة بالأشخاص الذين يتصدون لهذه المهمات؟ أم لعدم قناعة المجتمع بدور الثقافة والمثقفين الذي بات هامشيا مثلما هو دور الأفراد الذين يلوذون في بيوت الطاعة القبلية بعد أن جرى ترميمها وتشييدها لتعليب الرأي العام ورشه بالمواد الحافظة مخافة أن يتغير طعمه ولونه ورائحته؟ أهو فقدان الثقة بالخطاب العام وما تقدمه المؤسسات العامة؟ ألا يسري الأمر على ما تقدمه المؤسسات الخاصة أيضا؟
هذا الحال دفع كثير من صناع الفعاليات الثقافية إلى معالجة هذا التشوه ب (الميك أب) من خلال الحشد الموجه لمجموعات التدخل السريع من بعض الجمعيات والهيئات والناس الذين يساقون للحضور بوصفه مهمة رسمية، لا سيما أن كثيرا منهم ليسوا من المعنيين بهذا الشأن، وهذا الأمر بمثابة صبغ الوجوه الكالحة ب(الميك أب) لإخفاء كثير من العيوب والندوب، لكنها ما تلبث أن تعود سيرتها الأولى بمجرد غسلها بالماء .

للأسف الشديد غالبا ما يرتبط حضور البرامج والفعاليات الثقافية بالسياق العام الذي يحف الحدث الثقافي بعيدا عن الحدث نفسه، كالمكانة الرسمية لصانع الحدث الثقافي وراعيه أو مقدمه وحجم الصلاحية والنفوذ اللذين يتمتع بهما، ومدى قدرته على شمول من يدورون في فلكه بعين لطفه ورعايته، بعيدا عن القيمة الحقيقية للحدث الثقافي نفسه، وما يمكن أن يحققه من فائدة.

تلك مشكلة كبيرة، والمشكلة الأكبر أن يظل هذا التواطؤ قائما بين صناع الحدث الثقافي وحتى السياسي والاجتماعي وبين " الجمهور الذي يشبه ما يطلق عليه في مصر"عمال التراحيل" أو ما يشبه البكائين والبكاءات في الأفلام المصرية، وهم الذين كانوا يُستأجرون من قبل الطبقة الميسورة لأداء هذه المهمة الإنسانية التي لا تليق بتقاليد الطبقة الأرستقراطية.

ذلك هو ما يسمى الضحك على الذقون، وهو عملية خداع تشترك فيها مجاميع بشرية ترغب بلعب دور (الكومبارس) ومهندسو أحداث هدفهم صناع نجاحات وهمية عبر إخفاء العيوب وتجميل الواقع.إذا كان الأمر معضلة إلى هذا الحد فلماذا يتم هدر المال في ما لا طائل من ورائه؟ لمَ لا يتم البحث عن حلول ناجحة وناجعة لمعالجة هذا الأمر؟ بل لم لا نبحث عن وسائل أخرى نقدم من خلالها خطابا مقبولا للناس؟ خطابا يحقق مصلحة الدولة ويحترم عقول الأفراد، فلربما تكون الذائقة الشعبية العامة متقدمة على ما يطرحه صناع الحدث الفني والثقافي، ولربما يكون المجتمع ناضجا أكثر مما يظن مهندسو الأحداث الوهمية، إذا كنا نبحث عن تحقيق نهضة ثقافية حقيقية علينا أن تتخلى عن المصطلحات المتعالية على الواقع والناس، وعلينا أن نتخلى عن المصطلحات المراوغة التي لا تسمي الأشياء بمسمياتها، وعلينا أن لا نخلق نوعا من الفصام الثقافي في المجتمع، وأن نتخلص من الثنائيات البائسة، وعلينا أن نعرف ماذا نريد على وجه الدقة، واين نريد أن نمضي بالمجتمع الذي لم يعد ينقاد بسهولة، ولم يعد يثق بسهولة، علينا أن نقنع هذا المجتمع أننا لا نحتال عليه لندجنه، وأننا لانقنعه بالتخلي عن نزقه ونقده لكثير من مظاهراللا عدالة واللامساواة لنثبت له أنها شكل من أشكال الحقد الطبقي الممجوج، وأننا لا نتفق مع من يزعم أن مكافحة الفساد مهمة لكنها ليست أولوية، وعن، وأننا لسنا مع من يعيد تغليف مفردات من الفساد لتصير عناوين للتقدم، و، و،و...إلخ.

إن الكلام الكثير المفصول عن الواقع ضرب من الخداع ينبغي أن لا يستمر، حتى لا نمضي في خداع أنفسنا أكثر من ذلك، وحتى لا تتعمق الفجوة أكثر بين الدولة والمجتمع، إن ما يجب علينا فعله أن نعيد ترميم شبكة الاتصالات ، ونصل ما انقطع منها ، وتلك عملية صعبة ومعقدة لكنها ممكنة، وأعتقد أنه ليس عيبا أن نختلف ونتشاجر بالكلمة والرأي على أرضية وطنية إصلاحية لطالما كانت نهجا مميزا لهذا البلد وقيادته الهاشمية الملهمة، ولعل هذا ما ميزنا وسيظل يميزنا عمن تراشقوا من حولنا بالسلاح، وخربوا بيوتهم بأيديهم، حمى الله الاردن قيادة وشعبا وهيأ له من الحكومات ما تقر بها عين شعبه ومليكه.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :