رئيس الولايات المُتحدة الأميركية، جو بايدن، يقطع مسافات تُقدر بعشرات الآلاف من الأميال، ويجوب العالم شمالًا وجنوبًا، مُتحملًا عناء السفر، حاملًا في جعبته إدعاءات وشعارات ظاهرها خير وإنساني وأخلاقي، وباطنها عكس ذلك تمامًا، والتي تتمثل بعملية حقوق الإنسان، إذ كان يُصرح منذ جلوسه في البيت الأبيض، ليل نهار، بأن هذا الملف يقع على أعلى سُلم أولوياته.
هذا رئيس أعظم دولة في العالم، في الوقت الحالي، لسانه يصدح بأن اهتماماته تنصب على حقوق الإنسان، وعدم هضمها، أو انتهاكها، أو التعرض إليها بأي وسيلة كانت، لكنه لم يرمش له جفن من أجل حقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي تتعرض لهجمة بربرية وحشية على يد آلة البطش الصهيوني، لا ترقب إلا ولا ذمة لشيبة أو براءة طفل أو ضعف أم.
الرئيس بايدن «يتبجح» مُنتشيًا بأن دعمه لـ»أمن إسرائيل ثابت وطويل الأمد»، إلا أنه لم يُكلف نفسه عناء القول، ولو على استحياء، بـأنه يتعاطف مع أطفال فلسطين الذين استشهدوا جراء عدوان دولة الاحتلال على قطاع غزة، والذين بلغ عديدهم 15 طفلًا وطفلة.. وكان يسترسل هذا العجوز بالتأكيد على أن دعمه لـ»حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات»، بينما كان يُنكر ذلك على الشعب الفلسطيني، موجهًا اتهامات شتى لفصائله المُختلفة، كُلها تصب في خانة «الإرهاب»، أو «الاعتداء» على حقوق المُحتل.
الرئيس بايدين، وأركان دولته، التي تُسمى «عُظمى»، كانوا أُسودًا مغوارة في الحديث عن الهجوم الروسي على أوكرانيا، وطالبوا، مرارًا وتكرارًا، بضرورة وقف العمليات العسكرية في تلك البلاد، فهم ينظرون بعين الرأفة والرحمة للضحايا هُناك، أما في غزة، فقد كانوا «جُبناء»، إذ لم ينبس أي منهم ببنت شفة، جراء ما يتعرض له الشعب الفلسطيني الأعزل، من قصف وتدمير وانتهاك، للإنسان والأرض والزرع، فديدن إسرائيل أنها دائمة تضرب بعرض الحائط كُل الأعراف والقوانين الدولية.
وفي الوقت الذي كان يستشهد فيه أطفال فلسطينيون، من بينهم من لم يتجاوز عمره الخمسة أعوام، أو امرأة تُعيل أُسرة، فقدت ربها بعدوان إسرائيلي سابق، أو شيخ طاعن في السن، أو شاب في مُقتبل عمره، وذلك بالتزامن مع قصف وحشي لمنازل وبنايات لسكان مدنيين، كان الرئيس بايدين «يُثني»، بكل صفاقة وعنجهية، على قيادة رئيس وزراء الاحتلال، واصفًا إياها بـ»الثابتة».
فعندما يصف الرئيس الأميركي، قيادة إسرائيل بـ»الثابتة»، خلال العدوان الأخير، فكأنه يُريد إيصال رسائل للأطراف كلها، منها للشعب الفلسطيني مفادها بأن الاعتداءات عليهم وضدهم باقية، وللزعماء العرب تتضمن بأن حام لدولة الاحتلال، وصامد في ظهرها، حتى تحقيق مُناها.
هكذا كانت ردود فعل الرئيس بايدن وأركان إدارته، ومن جانب آخر، وكالعادة، كان أبناء جلدتنا «يُسرفون» في الدبلوماسية، مُستمتعين بمعزوفة الأميركيين بأنهم يلعبون أدوارا مركزية، من خلال جهد دبلوماسي، إزاء ما تتعرض له غزة، من عدوان غاشم وأعمال عدائية، بطلها كالعادة «برابرة» بني صهيون، أسفر عن 43 شهيدًا ومئات الإصابات.
(الغد)