ما جرى خلال الايام الفائتة يثير القلبق والرعب, فثمة خطاب تنمري هائل وتهديد معلن, لكل من يحمل رؤيا مخالفة لرؤية اليمين المحافظ في قانون حماية الطفل, ناهيك عن التزوير الفاضح الذي يطال القانون, حد المطالبة بانتزاع روح من يدعم القانون الذي يسعى حسب قولهم الى انتزاع العروبة والاسلام عن الدولة, علما بأن القانون قادم من احد ابرز اركان الدولة -الحكومة- فمن هذا الذي سننتزع روحه اذن؟ ومتى كان حسم الاختلاف بنزع الروح, بدل النقاش الانساني ليكون القانون اداة تشريعية ضابطة لحقوق الطفل وليس مجرد ديكور ومبادرة لحسن النوايا.
قرأت وطالعت آراء معارضي القانون, وقرأت آراء مؤيدي القانون, والغائب الوحيد هو الموضوعية, فالقانون لا يحمل كل مخاوف المعارضين ولا يحمل كل طموحات المؤيدين ايضاً, فلا انصار حقوق الطفل منغمسين في معركة الحرية بصورتها اللازمة, ولا معارضي القانون يقومون بدورهم الذي رسموه لأنفسهم في مواجهة كل هذه الانتهاكات للطفل والاسرة في مجال الحريات, التي لا يمكن تجزئتها, او التعامل معها بنظام القطعة, كما هو الحاصل اليوم, واكبر الغائبين انعكاس قيم الدولة وروحها المدنية على هذه النقاشات, فابرز ما يميز الدولة الاردنية سعة صدرها ?قبولها الآخر, ومنذ التكوين والدولة الاردنية هاضمة لكل التلاوين الاجتماعية والسياسية, حتى في مرحلة الاحكام العرفية مارست الدولة سلوكا غير دموي مع المعارضين بمن فيهم اصحاب الشعارات الداعية لاسقاط نظام الحكم ومن حملوا السلاح ضد الدولة, وبقيت الاجهزة الامنية محافظة على الدولة ومنظومتها السياسية دون التورط في السحل والدم, كما جرى في الجوار والاقليم.
على المستوى الاجتماعي والديمغرافي, حافظت الدولة على الموزييك الاجتماعي الذي ظل عنصرا من ابرز عناصر قوة الدولة, فكلنا يعرف ان الدروز استوطنوا بكثافة في الازرق والزرقاء وكان الشركس اول الخير في جبل القلعة والبيادر ووقفنا جميعا من اجل عودة المقعد الشركسي في دائرة عمان الثالثة اسوة بالدائرة الخامسة ومقعد الزرقاء, ولم يجد ابناء المخيمات غضاضة في الوصول الى اعلى المناصب, وما زال البدوي ممسكا على مقاعده الديمغرافية رغم كل البناء الحَضري في اماكن سكناهم واختفاء ظاهرة الترحال خلف الماء والكلأ.
كانت رحلة الاول من ايار في كل عام وفي احلك ظروف الاحكام العرفية تجمعا لليساريين والقوميين, وتصدح الفرق الغنائية بكل الاغاني الممكنة, وكانت المتنزهات حاضرة بكثافة وتقدم كل اشكال الضيافة وكانت الرحلات مفتوحة دون غضاضة, وكانت الدولة في اقوى اوقاتها, مديونية معقولة ونسبة نمو مرتفعة وتماسك اجتماعي يزعج كل المحيط والجوار, ولم نشهد كل هذه الانزلاقات الفكرية او التشنجات المجتمعية.
اليوم يسري الخوف في عروق الجميع من التشنج الاجتماعي وخطاب الكراهية والتناحر الاجتماعي, وثمة ظواهر تنمّر على المجتمع وقيمه, اعلم ان تيارات وزرافات ستهاجم ما اقول بوصفه دفاعا عن الفسق والفجور, غافلين ان اول مقر لجماعة الاخوان المسلمين كان بجوار سينما واستوديو زهران ومقابل بار الشهرزاد, في وسط المدينة, وكانت نوادي الضباط في الزرقاء ترفيهية وتحتوي على مسابح مختلطة وكذلك مسبح مجمع النقابات المهنية–حارسة الطبقة الوسطى واللقاءات السياسية–في زمن المنع, وكانت رابطة الكتاب الاردنيين موئلا للفكر والثقافة على مستوى ال?قليم وكانت الحوارات التي تجريها والندوات التي تحتضنها خارقة بكل المعاني وكذلك الجامعة الاردنية ومؤتمراتها الفلسفية.
مقلق صمتنا جميعاً وعدم انحيازنا للدفاع عن القانون، ومقلق اكثر صمت علماء الدين الذين يختفي بعضهم, في حوارات الحرية والمدنية, لم يكن الانغلاق في ازهى عصور الدولة الاسلامية, بل كان في فترة هو ان الدولة الاسلامية, لأن الانغلاق بيئة هذا الفكر وتربته الخصبة فبيانات ادانة اي حفل من الحفلات المتهمة بالفسق والفجور تفوق عشرات المرات ادانة حادث ارهابي حتى تلك التي وقعت بين ظهرانينا,... اين وزيرة الثقافة ووزير الشباب عن هذا التعدي على الثقافة والشباب؟
(الراي)