حصّاد الأرواح وآلة الجعجعة يضللان الرأي العام
منال أحمد كشت
05-08-2022 11:10 AM
بدأت الاسبوع الماضي مناقشات مجلس النواب لمشروع قانون حقوق الطفل لسنة ٢٠٢٢ لتنهال بعدها حملة ممنهجة معارضة "بالمطلق" للقانون، واتهامه بأنه يستهدف تقويض الأسرة ويشجع الأطفال على التمرد على أسرهم، لا بل ووصلت الإدعاءات الى منح الأطفال حق تغيير الدين والجنس والانضمام للجماعات الصهيونية والماسونية، والأخطر من ذلك تضليل الرأي العام بأن القانون سيسلخ الأسرة من منظومة القيم الدينية والاجتماعية المتعارف عليها.
تبع ذلك ما سُمي آنذاك بالملتقى الوطني لمناقشة مشروع القانون والذي تم الإعلان خلاله عن النية "لنزع روح" أي شخص قد يوافق على مشروع قانون حماية الطفل، مرسلين بذلك رسالة تهديد واضحة للنواب والاعيان والقانونيين والمختصين والناشطين لثنيهم عن مواصلة الجهود الرامية الى توفير منظومة متكاملة لحماية الطفل.
تلا ذلك بيان صادر عن مجلس علماء شريعة يؤكدون فيه على صحة المزاعم السابقة دون تقديم أي دليل قانوني تشريعي، والاكتفاء باللعب على وتر العاطفة الدينية لتضليل الناس اكثر فاكثر .
الطريف بالموضوع أن هذه الحملة قامت بتصدير "موظف اداري" لديها لنشر أكاذيبهم ومعتمدين على نظرية جوزيف غوبلز، بوق الإعلام النازي وذراع هتلر القمعي ضد حرية الفكر والتعبير: "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس"، ليخرج علينا بجعجعة لا تنتهي متناسيا أنه موظفاً ادارياً من العوام لا يملك أدنى درجات فهم التشريع وآليات عمله ومسارات تنفيذه.
ومن باب تقديم جميع وجهات النظر فيما يختص بقضايا الصالح العام، عُقد يوم امس ملتقى بحضور عدد من الاحزاب والقانونين والاعلامين والمتخصصين لعرض وجهة النظر المؤيدة لمشروع القانون، تم خلاله عرض الحقائق القانونية دون تخوين او ترهيب للرأي الاخر.
تركزت هذه الحقائق على عدة محاور، ابرزها:
المادة (٨ أ) والتي تؤكد على حماية حياة الطفل الشخصية من الإجراءات التعسفية أو غير القانونية في حياته وأسرته ومنزله ومراسلاته وشرفه وسمعته "مع مراعاة حقوق وواجبات والديه أو من يقوم مقامهما وفقا للتشريعات ذات العلاقة"، ونجد هنا تأكيدًا واضحا لا لُبس فيه من المشرع بأن هذه الحماية لا تتعارض مع واجبات الأهل ولا تتعارض مع التشريعات ذات العلاقة، أي أن دُعاة فكرة "بكره ازا الولد اكل كف من اهله بروح يشتكي عليهم وبياخدوه من اهله" تناسوا "بقصد" المادة ٦٢ من قانون العقوبات الذي يُبيح "ضرب التأديب بما هو وفقا للعرف العام"، إذن فالقانون أصلا لا يعتبر التأديب ورقابة الأسرة لمراسلات أطفالهم جريمة يعاقب عليها القانون.
المواد (٥ ب) و (١٢ أ) تحدثت عن التنشئة السليمة للطفل ورعاية حريته وكرامته وإنسانيته "ضمن القيم الاجتماعيه والدينية" لضمان نموه الطبيعي على أكمل وجه، وهذا يتنافى تماما مع الإدعاءات القائلة بأنه سيسمح للطفل بتغيير دينه أو جنسه أو حتى انتسابه لمجموعات ماسونية أو صهيونية، فالأسرة وفقا لمشروع القانون ملزمة بتنشئة أطفالها تنشأة سوية لا تتعارض مع الشرائع الدينية والثوابت الأخلاقية.
ينص نظام رعاية الطفولة من الولادة وحتى سن ١٨ والصادر بمقتضى المادة ٤ من قانون وزارة الشؤون الاجتماعيه والعمل رقم ١٤ لسنة ١٩٥٦ على أن الطفولة تستمر حتى عمر ١٨، وعليه فإن المطالبات بتغيير سن الطفولة في مشروع قانون حماية الطفل يجب أن توجه إلى نظام رعاية الطفولة لسنة ١٩٧٢ الذي لم يعترض عليه احد من قبل، وكما ذكرنا سابقا فإن مشروع قانون الطفل لا يجب أن يُحدث تضاربا مع أي من التشريعات النافذة ذات العلاقة.
وردت عبارة "مع مراعاة التشريعات النافذة" في مشروع قانون حماية الطفل ١١ مرة، وهذا يعني أنه لا يمكن أن يتم تفسير أو تطبيق مواد هذا القانون بما يتعارض مع قانون العقوبات وقانون الأحوال الشخصية وقانون الأحوال المدنية وقانون الحماية من العنف الأسري وغيرها من القوانين النافذة، علما بأن كل القوانين السابقة الذكر معمول بها ولم نسمع من قبل أصوات اعتراض أو تخوين او حتى "إخراج من الملة" بسببها.
ان الحاجة ملحة إلى إقرار قانون لحماية الطفل، ووضع الدولة أمام مسؤولياتها في ظل وجود ١٥ ألف حالة عنف ضد الطفل خلال عام ٢٠٢١ وفقا لأمين عام المجلس الوطني لشؤون الاسرة، ومع تزايد أعداد جرائم الاعتداء والقتل والتحرش الجنسي والتنمر والابتزاز الالكتروني وممارسة التسول والحرمان من التعلم الواقعة على الأطفال مؤخرا.
ان إدعاءات المضللين بأن مشروع قانون الطفل جاء "بإملاءات خارجية أجنبية هدفها نزع الهوية الاسلامية للأسر" هي معلومات مضللة لا أساس لها ولا دليل عليها. والمثير للسخرية أن نفس هذه الفئة "المحاربة للتدخلات الاجنبية" هم الأكثر حضورا وتصدراً للمؤتمرات والندوات الممولة من السفارات والمنظمات الأجنبية والأكثر إستنادا لدراستهم وتقاريرهم الحقوقية في حين رغبوا بمناكفة الدولة.
في عام ٢٠١٧ وقفت نفس المجموعة في وجه إصلاح تشريعي قاد المجتمع إلى حصول الأم المطلقة على الحق في معالجة أبناءها، وتجريم التحرش الجنسي، وإلغاء المادة ٣٠٨ الذي يبيح زواج المغتصب من المغتصبة دون عقاب، والتشريع الذي منع إستخدام العذر المخفف في حالة الاعتداء على النساء.
من المهم قراءة مشروع قانون الطفل ضمن منظومة تشريعية متكاملة، والتي يعد الدستور الأردني الذي بني من الدين والعادات والتقاليد والأعراف المجتمعية والذي نص صراحة في بنوده أن دين الدولة هو الإسلام أساسا لها، والامتناع عن تأويل النصوص في ظل غياب الفهم التشريعي السليم بهدف التضليل ونشر الاشاعات واختطاف الرأي العام بالارهاب والتهديد والتدليس.
فالدستور ينص صراحة في المواد (٤ و ٥) بأن "الاسرة أساس المجتمع قوامها الدين والاخلاق" وأن "القانون يحفظ كيانها الشرعي ويقوي اواصرها وقيمها"، وعليه فإنه لا يمكن لهذا القانون مخالفة أحكام الدستور.
لدي العديد من الملاحظات على مشروع القانون، وأعتقد أنه بالإمكان تجويده بما يتناسب مع مصلحة الطفل الفضلى، وتابعت، ولا زلت اتابع، حديث العديد من الحقوقيين والمختصين بهذا الصدد، واؤمن أن من حق الجميع إبداء وجهات نظرهم دون تخوين أو تهديد، وأن المعركة بهذا الشأن هي معركة حقوقية وليست شخصية أو أيدولوجية.