قانون البيئة الاستثمارية ما بين الواقع والمأمول
طارق خميس أبوسليم
04-08-2022 01:27 PM
لطالما كان قانون الاستثمار محل نقاش لدى فئة كبيرة من أبناء المجتمع، ولطالما كان هذا القانون واحداً من بين التشريعات الجدلية لاختلاف المصالح والغايات المرجو تحقيقها من هذا القانون.
وفي ضوء النقاش الدائر حالياً بين مختلف قطاعات المجتمع حول مشروع قانون تنظيم البيئة الاستثمارية ما بين شد وجذب لما اشتمل عليه المشروع، فقد أتيحت لي فرصة الاطلاع على أحكامه بغرض إبداء مرئياتي وملاحظاتي على ما تضمن من نصوص، حيث ارتأيت ضرورة إبداء ملاحظات استراتيجية تتعلق بالبنية الهيكلية للمشروع، يمكن أن تُشكل في مجملها تحول نحو الواقع التنظيمي والقانوني المأمول من إصدار قانون ينظم القطاع الاستثماري في المملكة، بعيداً عن الدخول في أي ملاحظات تفصيلية قد تحتمل التأويل أو التبديل وتُفقد الهدف الأسمى من إبداء هذه الملاحظات، والتي تتلخص بما يلي:
1- أن تشتمل السياسة الاستثمارية في المملكة على مبدأين أساسين، بالإضافة لما هو مشار إليه في مشروع القانون، أولهما: سهولة ممارسة الأعمال، والذي يعد واحداً من أهم مؤشرات التنافسية وعاملا أساسياً من عوامل جذب الاستثمار، حيث يتضمن عدة محاور من أهمها، إجراءات ترخيص النشاط التجاري، والبنية التحتية لإقامة المشروع الاستثماري، وتسجيل الملكية، والحصول على الائتمان، وحماية المستثمرين، وسداد الضرائب، والحوالات والتجارة الخارجية، والتسهيلات الجمركية، وإنفاذ العقود، وحالات التصفية والإعسار، وتخفيف القيود على رأس المال.
أما ثانيهما فهو الاستقرار التشريعي، والذي يشكل ضامناً أساسياً لأي نشاط استثماري، إذ تلتزم فيه الحكومة بضمان قدر من الثبات النسبي في التشريعات الصادرة عنها، وبالتالي تمكن المستثمرين من التخطيط لاستثماراتهم وأعمالهم بدرجة عالية من الثقة بالبيئة التشريعية والاستثمارية، وحساب الأعباء المالية المترتبة على إقامة المشروع الاستثماري بما يضمن ديمومته.
2- أن يشتمل مشروع القانون على إطار قانوني لتصنيف المشاريع الاستثمارية، من حيث نوعية وحجم هذه المشاريع، إذ تكمن أهمية هذا الأمر بربط الامتيازات والإعفاءات الممنوحة للمستثمر بحجم النشاط الاستثماري المزمع ترخيصه في المملكة، بحيث تتناسب هذه العلاقة تصاعدياً، فمتى ما زادت أهمية المشروع أو حجم الاستثمار، زادت الامتيازات والإعفاءات الممنوحة للمستثمر، ومن هنا فإننا نرى أن ينص القانون على إطار عام لتصنيف المشاريع الاستثمارية، وأن يمنح مجلس الوزراء السند القانوني لإصدار نظام يتعلق بتحديد المشاريع المستفيدة من بعض أو كل الإعفاءات والامتيازات المنصوص عليها في القانون، وكذلك تحديد الحد الأدنى والأعلى لرأسمال المشروع الاستثماري المعتبر لغايات تحديد حجم المشروع، وتحديد المشاريع ذات الأولوية، لغايات التصنيف النوعي، وفقاً للاستراتيجيات الاقتصادية المعتمدة.
3- أن يشتمل مشروع القانون على إطار عام لما يسمى بـ "العقد الاستثماري"، والذي ينظم العلاقة بين الحكومة (ممثلة بوزارة الاستثمار أو سلطة المنطقة الحرة أو المنطقة التنموية) والمستثمر(صاحب المشروع) وفقاً لما تنص عليه أحكام القانون والأنظمة الصادرة بموجبه، بحيث تُحدد في هذا العقد الإعفاءات والامتيازات الممنوحة للمستثمر، وفقاً لتصنيف المشروع المزمع إقامته، والإجراءات الواجب على الحكومة اتخاذها لتمكين المستثمر من إقامة المشروع، كما يحدد العقد الالتزامات التي تقع على المستثمر نظير حصوله على تلك الامتيازات، والمراحل الزمنية الواجب عليه التقيد بها للانتهاء من مراحل تنفيذ المشروع، والتدابير المتخذة ضده في حال عدم الالتزام بأي من تلك المراحل.
4- إعادة النظر في الإطار القانوني والتنظيمي لإنشاء وإقامة المناطق الحرة والمناطق التنموية، وفق رؤية مستقبلية ومتطورة، إذ يجب الخروج عن المفهوم التقليدي لإقامة تلك المناطق، من خلال النص صراحة على إنشاء (مناطق حرة متخصصة) تعتمد على مشاريع استثمارية مختارة ضمن نطاق واحد، بحيث يتم توفير بنية تحتية متكاملة لإقامة تلك المشاريع، وفقاً لأفضل الممارسات والمعايير العالمية المطبقة في هذا الشأن، وبما يضمن استقطاب وجذب كبريات الشركات العاملة في المجال المزمع الاستثمار فيه، من ذلك (مناطق حرة متخصصة في الصناعات التقنية والرقمية والذكاء الاصطناعي)، (مناطق حرة متخصصة في الصناعات المستدامة)، (مناطق حرة متخصصة في صناعات الطاقة والطاقة البديلة)، وكذلك إنشاء (مناطق حرة خدمية) أو (مناطق تنموية خدمية)، تعتمد على مشاريع استثمارية خدمية معينة ضمن نطاق واحد، كخدمات الصحة، أو التعليم، أو السياحة البيئية أو النقل.
5- أن يشتمل مشروع القانون على أحكام تتعلق بالسماح بتعهيد أو تخويل الوزارات والهيئات والجهات الحكومية المعنية، بعض اختصاصاتها المتعلقة بترخيص ومزاولة المشروع الاستثماري إلى سلطات المناطق الحرة أو سلطات المناطق التنموية، بحسب الأحوال، وذلك لضمان أكبر قدر من سهولة ممارسة الأعمال داخل تلك المناطق، والحيلولة دون مزيد من البيروقراطية في الإجراءات، والتي قد تواجه المستثمر عند إقامة أو تنفيذ مشروعه.
6- أن يشتمل مشروع القانون على أحكام تتعلق بحوكمة العلاقة بين الجهات الحكومية وسلطات المناطق الحرة أو المناطق التنموية، من خلال اتفاقيات تبرم بين الأطراف المعنية لهذه الغاية، يتحدد بموجبها أدوار والتزامات وصلاحيات طرفيها، وذلك للحيلولة دون التعارض أو التداخل في الاختصاصات بين تلك الجهات، ولضمان الوصول إلى أعلى معايير ريادة الأعمال.