العراق .. صراع التيارات والمرجعيات
محمد حسن التل
04-08-2022 11:58 AM
ما يحدث في العراق اليوم نتيجة حتمية لطريقة الكاوبوي الأمريكي في إسقاط الدولة العراقية عام ٢٠٠٣ ، حيث دمر الأمريكان كل مؤسسات الدولة العراقية السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية .
الدولة العراقية لم تكن ملكا لصدام حسين حتى تقوم الولايات المتحدة بهدمها لمعاقبته ، وهنا يتبين أن الهدف من الحرب على العراق لم تكن تريد صدام حسين فقط بل كانت غايتها الأساسية رأس الدولة العراقية ، التي هي ملك الشعب العراقي والذي لا زال يدفع أثمانا باهظة نتيجة الخراب الذي خلفه الأمريكيون وراءهم ، ولم يكتف هؤلاء بتدمير الدولة بل أنتجوا نظاما قائما على المذهبية والطائفية والعرقية ، وتركوا العراق يغرق بهذه التناقضات على امتداد عشرون عاما ، وفسحوا المجال بأن يكون ساحة صراعات إقليمية يدفع العراقيون أنفسهم ثمنا لهذا من استقرارهم وأمنهم واقتصادهم .
من كان يظن أن العراق الذي يحتل أعلى درجات سلم الغنى العالمي يصبح اليوم مديونا بمئات المليارات ، من كان يفكر ولو للحظه وهو يجلس على نهر دجلة في ساعات الفجر أن هذا النهر سيجف وأن مزارع النخيل ستموت .
الأمريكيون تركوا العراق يواجه المصير الذي رسموه له وحده ، والعرب يدفعون اليوم ثمنا كبيرا لتخليهم عن العراق في وقت كان بأمس الحاجة لوقوفهم بجانبه ..
ما يجري في العراق اليوم هو صراع بين تيارات ومرجعيات ، فنسبة كبيرة من العراقيين ملت وتعبت من التبعية لإيران ، وكأن العراق أصبح ولاية إيرانية تفعل طهران به ما تشاء ، الأمر الذي أفرز تيارا يدعوا للخروج من هذا الواقع ليعود العراق كما كان ذات فعالية في شأنه وشؤون المنطقة والإقليم ، وجزء آخر يصر على أن يبقى العراق يدور في الفلك الإيراني لأسباب متعددة ومختلفة ، الأمر الذي يجعل الصدام بين الطرفين ممكنا إلا إذا تغلب صوت العقل في النهاية .
واشنطن صمتت على أن يكون العراق ساحة خلفية لإيران تفعل بها ما تشاء ، ظنا منها أن إيران من الممكن استيعابها في الوقت المناسب ، ولكن الذئب انفلت من قيده ولم يعد بالإمكان السيطرة عليه ولم يعد يلعب في الساحة العراقية فقط بل تعداها إلى ساحات عربية متعددة .
بغداد اليوم بحاجة إلى أصحاب عقول باردة تفكر في مصلحة العراق العليا ، ومصلحة شعبه الذي يعاني منذ عقود طويلة ، وبحاجة إلى من يذكي الروح الوطنية العراقية بدل إذكاء الطائفية والمذهبية والعرقية البغيضة ، والعرب مطالبون الآن أكثر من أي وقت مضى أن يقفوا إلى جانب العراق والعراقيين ليخرجوهم من هذا المنزلق الذي دبر لهم من خلف البحار ليعود العراق كما كان عمقا حقيقيا لأمته وعنصرا فاعلا في تسيير أمور المنطقة .