تتحرك حكومة الرئيس جو بايدن في العالم بِقَفَزاتٍ فيها الكثيرُ والمثيرُ من السُعارِ السياسي والعسكري. عيونُ الإدارة على ٢٠٢٤ و فيما إن كانت في انتخابات ذلك العام الرئاسية والنيابية ستُقْنِعُ الناخبين بأهليتها لفوز الديمقراطيين بالبيت الأبيض.
مهما حاولَ الرئيس بايدن فإنَّ شيئاً ما يعتري الرجلَ في ظهوره أمام الناس فهو قد صافحَ الهواء ونادى على والدتهِ المتوفية وأخطأ في الوجهةِ بعد إلقاء كلماتهِ وأخطأ ونسي الأسماء المهمة للبلدان والبشر ووقعَ من على سُلَّمْ الطائرة و عن دراجتهِ. أشياءَ يلتقطها الاعلام المضاد وعدوهِ اللدود دونالد ترامب ليضخما من أثرها على قدراتهِ الرئاسية حتى وصفهُ ترامپ بأنه مخبول. مع عمره و هذه المثالب سيكون صعباً فعلاً إعادة انتخابهِ. و نائبتهُ كامالا هاريس باهتةٌ في حضورها، كما غيرها ممن سبقها من نواب الرئيس الذين من أهم مهامهم أن لا يسطعوا أكثر من الرئيس. لكنها تفقدُ للآن حضوراً كالذي اتسم به بايدن مع أوباما و مايك پنس مع ترامپ. و المحللون لا يعطونها نقاطاً تؤهلها لتقود الحزب الديمقراطي و الفوز بالرئاسة. الوجوه الديمقراطية الأُخرى غير معروفةٍ للآن لكن المرء لا بُدَّ أن يضع مغامرةَ نانسي پيلوسي التايوانية ضمن مسار جمع النقاط للإدارة و ربما لها إن قررت خوض معركة الرئاسة مع أنها ليست صغيرةً عُمراً و لا تقلُ عن بايدن في بعض الهذيان.
الحزب الجمهوري بالمقابل لديه ترامپ الذي يشك المراقبون بأهليته العقلية هو الآخر. و بأكداس الشبهات الجنائية والضريبية و المتعلقة برئاسته عموماً تنعدمُ حظوظه إلا من لسانٍ سليطٍ به يشعلُ نيراناً يعبدها غُلاةَ المؤمنين بالحلم الأمريكي المؤسس على عقيدةٍ مسيحيةٍ متطرفة و اللون الأبيض جِلداً و داخلياً و إن كان الجلد غير أبيض. المهم هو اعتناق العقيدة الخارقة للجنس الأمريكي في الداخل والعالم. و لدى الحزب مايك پنس و مايك پومپيو أيضاً و الأخيرُ لا يقلُ فداحةً في عقيدتهِ عن ترامپ بينما پنس يلعب دور العاقل الوحيد في إدارة ترامپ الهزلية.
سنرى ما ستتمخض عنه مُفرِزاتُ الحزبين الانتخابية و ما إذا كان هناك مستقلون عنهما، وإلى ذلك الوقت من عام ٢٠٢٤ سنشهدُ سُعاراً بين الإدارةِ في سعيها حشد النقاط لصالحها و منافسها الجمهوري في نقض إنجازاتها.
السعارُ العالمي هو لتثبيت الزعامة الأمريكية و قيادة العالم دون منافسة من روسيا والصين. لكنه لا ينفصِلُ عن المعركة الانتخابية القادمة. كل مكسبٍ لأمريكا هو مكسبٌ للإدارة الديمقراطية يدخل آلة حساب نقاط الرئاسة. لكن السياسة الخارجية ليست الحَكَمَ كما نعرف، فالناخب الأمريكي يضعُ في حساباته أولاً و قبل كل شيئ رفاهيتهُ و الغلاء و الحريات و المهاجرين و توازن الأبيض و الأسود و اللاتينى. حساباتٌ معقدةٌ تكادُ السياسة الخارجية فيها تختفي من لائحةِ الاهتمام. لكن هذه العوامل الداخلية تتقاطع مع السياسة الخارجية عندما ترتفعُ الأسعار، خاصةً الوقود. من أجلِ هذا فإن أي إدارة تريد نفطاً رخيصاً و دولاراً متوسط القيمة للتصدير الحثيث للمنتجات الأمريكية و سيطرةً على قصبةِ العالم في التقنيات متناهيةِ الدقة و التعقيد. مسارح هذه العوامل هي الشرق الأوسط و آسيا و أوروبا. و لذلك عمل ما يلزم لدحر الروس و الصين و للسيطرة على الشرق الأوسط و بالوسائل المُتاحة المكشوفة و الخفية و السياسية و العسكرية. ترى الرموز السياسية و العسكرية الأمريكية تطيرُ لآسيا و تتحدى الصين في تايوان و أعالي البحار. و تزيدُ من دفعِ أوكرانيا نحو الحلول العسكرية في تعاملها مع الغزو الروسي. و تبني لتمدد الناتو بانضمام السويد و فنلندا. و تجمع حلفاء عرب لهم الباع الطويل في تزويد العالم بالنفط و القلق من إيران و المشاركة بإدارة حركة مضائق السويس و باب المندب و مضيق هرمز. كما تفاوض نيابةً عن "إسرائيل" مع لبنان لضبط حقول الغاز الهامة بعد أزمة الغاز الروسية و إبعادها عن شرارات الحرب. و تلجمُ أعداءها في أمريكا الجنوبية والشرق الأوسط وشرق آسيا و روسيا و حلفائها و الصين بالحُزمةِ وراء الحُزمة من العقوبات والقوائم السوداء.
إنها إدارةٌ مأزومةٌ باتت تدرك أن السيطرة الأمريكية في خطر. و بالنسبةِ لها فإن زلزلةِ الموقع الأمريكي تضاهي الزوال للعصرِ الأمريكي و هو ما ترفضه. لا يبدو من تصريح الأمين العام للأمم المتحدة إلا الصراحةَ الواقعية أننا نقتربُ من صراعٍ وجودي للسلاح النووي فيهِ مكان والذي باعتقاد الساسة الآيلين للسقوط هو الوسيلة الأخيرة. و هكذا تبدو واشنطن اليوم. تدفعُ العالم للحافة في محاولةٍ خطيرةٍ لتخويفِ الصين و روسيا و إجبارهما على التراجع. و إن لم تُجْدِ العقوبات و الحصار و التحدي فلربما لا يبقى إلا الحرب.