تقوم الدنيا ولا تقعد في يوم واحد على ثلاث قضايا في الأردن، كلها مترابطة ببعضها البعض، بشكل أو آخر، وفي توقيت واحد، بما يؤشر على حالة التحسس العامة، من كل شيء.
ترفع الحكومة سعر البنزين، ويبلغ سعر صفيحة البنزين 90 عشرين ديناراً تقريباً، وصفيحة البنزين 95 ستة وعشرين ديناراً، وهذه الزيادة تعد الرابعة خلال العام الجاري، لكنها الثانية من اصل اربع زيادات تم الاعلان عنها مسبقا، اي ان هناك زيادة جديدة نهاية شهر 8، ونهاية شهر 9.
هذه الزيادات ليس لها علاقة بالسعر العالمي للنفط، وارتفاعه او انخفاضه، وفقا لمنطوق الحكومة، بل لها علاقة بتعويض النقص في التحصيلات الحكومية الضريبية، عن الفترة التي تم خلالها تثبيت اسعار النفط، وهذا يعني ان لا تراجع عن هذه الزيادات، لانها تعويضية.
في كل الاحوال رفع سعر الوقود، يعني ارتفاع سعر كل شيء، وبرغم ان الغالبية تستعمل بنزين 90، الا ان سعره ارتفع كثيرا، فيما من يستعملون بنزين 95 غير قادرين على التحول نحو بنزين خوفا على سياراتهم من الخراب، وما قد تتعرض له محركات سياراتهم، من مشاكل تقنية.
وسط هذا الجدل لا احد يناقشك بمشروعية فرض ضريبة على الوقود اصلا، او يناقشك اي طرف في مقدارها، ومدى احتمالها وتأثيرها على الافراد، والاقتصاد الكلي في الاردن.
في هذا التوقيت، أيضا، تتسرب المعلومات عن رفع مكافآت اعضاء مجالس اللامركزية، بمبالغ ليست سهلة، فيما تخرج الحكومة لتنفي المعلومات وتقول إن مجلس الوزراء رفض توصية لجنة الخدمات والبنى التحتية والشؤون الاجتماعية المتضمنة رفع قيمة مكافآت رؤساء واعضاء مجالس المحافظات، وأن ما جاء في الكتاب الاول المسرب والمتضمن رفع المكافآت ملغى بسبب خطأ والتباس عند عرض الموضوع على مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 26-6- وأن مجلس الوزراء لم يوافق على التوصية، وإنما قرر حفظ الموضوع، وهكذا تقف الحكومة هنا بين كتابين، يصدر الاول باسمها، ثم يصدر الثاني ليلغي الاول، ولينفي قصة الزيادات من أصلها.
في كل الأحوال رد الفعل الشعبي كان قاسيا، لأن الوضع الاقتصادي لا يحتمل أي زيادات منتقاة، خصوصا، أن الحكومة أعلنت مرارا أنها لن تزيد الموظفين العاديين، وهذا الإعلان جاء في الأسبوع الذي تم فيه تسريب زيادة المكافآت لمجالس اللامركزية، والذي نفته أو تراجعت الحكومة عنه.
لم نكد نخرج من قصة هذه الزيادات حتى تسربت من خلال النواب ذاتهم، قصة زيادة مخصصاتهم، بمقدار مائتي دينار، مائة بدل تنقلات، ومائة لمدير المكتب، لكن المخصصات تأتي على اسم النائب، مباشرة، وبعد أن قامت الدنيا ولم تقعد، اضطر مجلس النواب أن يخرج ويقول أن هذه المبالغ مخصصة، اصلا، في موازنة مجلس النواب المقرة مسبقا في الموازنة العامة والمنشورة في موقع وزارة المالية، وأن هذه الزيادة جاءت عبر مناقلات بين بنود موازنة مجلس النواب من خلال تخفيض موازنة بنود أخرى ونقلها إلى مخصصات النواب، إضافة إلى ما تقوله مصادر نيابية حول أن هذه الزيادات جاءت للتخفيف عن مدراء المكاتب كونهم يتأخرون في أعمالهم، إلى أوقات مسائية، وبسبب تغير الظروف الاقتصادية، وتعرضهم لضغوط المراجعين.
في كل الأحوال ما يراد قوله هنا، إن الرسائل التي تتنزل على الناس، متناقضة، إذ تارة يتم رفع أسعار الوقود، تحت عناوين مختلفة، وفي الوقت نفسه تتم زيادة مخصصات النواب، وإعلان زيادة مكافآت أعضاء مجالس اللامركزية، ثم نفيها من الجهة التي أصدرتها أولا، لسبب ما.
كل هذه البرقيات تتناقض مع بعضها البعض، لأن رفع سعر الوقود تحت مبرر أن الخزينة بحاجة للمال، يعارض زيادة مخصصات النواب المالية، مثلا، وهذا يزيد من التوتر، وسوء الفهم، ويهدد ما تبقى من ثقة، حتى لو بررت الجهات إياها كل خطوة، من رصد النواب للمال أصلا وليس طلبه بشكل جديد من الحكومة، أو عدم صحة وجود مكافآت جديدة لأعضاء اللامركزية، أو حتى تبرير زيادات البنزين بكونها تعويضية ومفصولة عن السعر العالمي، سواء ارتفع أو تراجع.
الذي يقرأ التعليقات يدرك حالة الحساسية الهائلة السائدة، إزاء كل خطوة، بما يوجب التنبه لردود الفعل، وعدم إهمالها، كونها تؤشر على البنية الداخلية وتوجهاتها وإلى أين نذهب أيضا؟.
(الغد)