فضفضة .. الحلقة السادسة
اللواء المتقاعد مروان العمد
01-08-2022 12:03 PM
قد يتساءل الكثيرون لماذا ربطت في فضفضتي ما بين ما يحصل في اوكرانيا، وما يدور حولنا من احداث ، وما نسمع انه يخطط لنا منها ، وما العلاقة بينهما . فأقول لكم لان له كل العلاقة ، وانه لولا الاول ما كان الثاني . فمنذ مئات الاعوام وهذه المنطقة تدور فيها الحروب والصراعات . وتغرق في المآسي والكوارث و الاحداث . ولم تمتد لها يد الا لتزيد نيرانها اشتعالاً ، و لم تمتد اليها يد لتطفئ نيرانها . بل عشنا ونحن ننتقل من هزيمة الى نكسة ، ومن فاجعة الى مصيبة ، وكانت اغلب الحلول التي تطرح علينا هي اكبر المؤامرات علينا . بحيث لم نعد نعرف الاستقرار ولم نعد نشعر بالامل . واذا طرح علينا اي حل فهو لتمكين اعدائنا منا ، وزيادة فرقتنا وتنازعنا .
فما الذي حصل الآن وجعل الجميع يلبسون لبوس الملائكة . ويضعونا في اطار صورة زاهية ، بينما هي في حقيقتها اسود من السواد، واذل من الذل . ويطلبون منا ان نضع البسمة على وجوهنا ونحن نعلن انتصارهم علينا ، بعد ان اصبح اعدى اعداؤنا هم اصدق اصدقائنا ، واصبحوا اعداء ديننا يجمعنا معهم دين جديد من صناعة امريكية اسرائيلية . الا وهو الديانة الابراهيمية .
نعم ان ما يجري الحديث عنه في هذه الايام حول مستقبلنا له علاقة في الصراع الروسي الامريكي للسيطرة على الطاقة ومصادرها وخطوط نقلها ، لان من يسيطر عليها يسيطر على العالم .
ولكي نفهم هذه العلاقة ، فلا بد من التعرض لما جرى في اوكرانيا واسبابه ، وكيف نسجت اميركا خيوطها لايقاع الدب لروسي في مصيدة اوكرانيا ، وكانت تأمل من ذلك ان تنهي سيطرة الطاقة الروسية على اوروبا لتحل هي محلها . وكانت الخطوة الاولى هي التلويح بادخال اوكرانيا الي حلف النيتو ، واستعادة شبه جزيرة القرم والمناطق التي كان قد سيطر عليها الانفصالين الاوكرانيين الناطقين باللغة الروسية . ولذا وما ان دخلت روسيا الى اوكرانيا حتى اوقعت عليها عقوبات اصابت الافراد والبنوك وفصلتها عن نظام سويفت المالي ، وهو نظام المراسلة الدولي بين البنوك في العالم ، متوقعة ان ينهار الاقتصاد الروسي خلال ايام ، ليرتفع قيمة الروبل الروسي اكثر من ثلاثة اضعاف بالنسبة للدولار الامريكي ، وبقيت روسيا قادرة على الايفاء بجميع التزاماتها المالية الدولية . رفعت اميركا قيمة الفائدة على عملتها ثلاث موات لمواجهة موجة التضخم التي ضرب اقتصادها واقتصاد العالم نتيجة هذه العقوبات ، وردت روسيا بتخفيض الفائدة على عملتها بمقدار النصف . توسعت اميركا وحلفائها في قائمة عقوباتهم على روسيا لتشمل البشر والشجر والحجر ، ولم تترك الفن ولا الرياضة ولا كرة القدم ، وشملت حتى مسابقات رياضات المعاقين والجمال ، دون ان يبدوا اي تأثير لهذه العقوبات على روسيا . كما فرضت اميركا مقاطعة على الغاز والنفط الروسي ودعت حلفاءها الاوربيين ان يفعلو ذلك ، على اعتبار انها الضربة القاضية ، وان روسيا لن تجد من يشتري غازها ونفطها والذي يغطي معظم حاجة الدول الاوروبية من هذه المادة عبر العديد من الانابيب الممتدة تحت البحر وفوق الارض الى مختلف الدول الاوروبية وخاصة المانيا . لتقوم روسيا بمعاقبة الدول الاوروبية التي اعلنت مقاطعتها الجزئية للغاز الروسي بأن اوقفت تصدير الغاز اليها نهائياً . كما اعلنت روسيا انها لن تتعامل في بيع الغاز للدول الاوروبية غير الصديقة الا بالروبل الروسي . واوقفت تصدير هذه المادة للدول التي لم تلتزم بذلك .
وقامت اميركا بتزويد اوكرانيا بالمعدات والتجهيزات العسكرية ، والمساعدات المالية والتي تجاوزت الستين مليار دولار . كما حثت دول العالم ليفعل ذلك ، حيث انهالت مليارات الدولارات والاسلحة الغربية والمرتزقة والمتطوعين على اوكرانيا ليتقاتلوا الروس بها ، ويدافعوا عن اوكرانيا ، بالتالي عن اوروبا لوحدهم ، ولآخر رجل اوكراني . وصرحت اميركا ومنذ اليوم الاول انها لن ترسل جنودها الى اوكرانيا ، وتسابقت بقية دول حلف النيتو بالاعلان عن نفس الموقف واعلنوا تنصلهم من هذه المهمة ، لأن قيامهم بها سوف يدخلهم في مواجهة مباشرة مع روسيا ، وربما يؤدي ذلك الى حرب نووية هم غير مستعدين لدخولها للدفاع عن اوكرانيا التي يتباكون عليها ، وعلى نساءها ورجالها واطفالها . ومن هنا يمكن ان نفهم كيف كانت دول النيتو تدعوا اوكرانيا للانضمام للحلف ، وتشجعها على طلب ذلك ، ثم تتنصل عن اجابة طلبها ، بحجة انها لم تستكمل متطلبات الانضمام اليه ، وحتى لا تجد نفسها في مواجهة عسكرية مع روسيا ، حيث انه كان المقصود استخدامها طعماً لايقاع روسيا في الفخ الذي كانت اميركا تخطط لإيقاعها به ، وكان هدف اميركا من ذلك هو منع الغاز الروسي من الدخول الى اوروبا حتى لا تقع الدول الاروبية تحت الهيمنة الاقتصادية الروسية . وقامت بحث هذه الدول على الحصول على الغاز من مصادر أخرى . كما كانت قد شنت حربها على انابيب الغاز الروسي الواصلة الى اوروبا . وخاصة على انبوب نورد ستريم 2 والذي كان يجري العمل على تنفيذه ، ليكون شريكا للخط نورد ستريم 1 في ايصال الغاز الى المانيا . ووضعت الكثير من العقبات في طريقه ، وفرضت العقوبات على الشركات التي شاركت في بنائه . واقسمت انها لن تسمح لنقطة غاز بالوصول منه الى خط النهاية في المانيا وما بعد المانيا ، ولذا وبعد انجاز الخط وقبل شهر من اندلاع لحرب الاوكرانية ، اقنعت اميركا المانيا على عدم المصادقة على فتح انبوب الغاز ذلك عبر اراضيها لبقية الدول الاوروبية حتى لا يزيد اعتمادها على هذا الغاز ، و زيادة النفوذ الروسي على الدول الاوروبية . ولذلك وفور اندلاع القتال جهدت اميركا على توفير حاجة اوروبا من الغاز من مصادر اخرى . وقد قام الرئيس الامريكي بجهود كبيرة في هذا المجال مع مختلف دول العالم . حتى انه حاول الحصول عليه من ايران وفنزويلا مع ان ما بينه وبينهما ما صنع الحداد . كما حاول اقناع الدول المنتجة للغاز والنفط بتوجيه معظم انتاجهم نحو اوروبا . الا انه لم يتمكن من تحقيق ذلك . حتى انه لم يستطع اقناع قطر والسعودية بزيادة انتاجهما لتلبية حاجة السوق الاوروبية ، الاولى لارتباطها بعقود سابقة مع دول العالم ، والثانية بسبب سوء العلاقة ما بين الرئيس الامريكي و ولي العهد السعودي .
ولذا ولأن كل المؤشرات اخذت تشير الى ان روسيا قد اقتربت من حسم نصرها العسكري والاقتصادي في اوكرانيا ، واحكام قبضتها على المناطق الشرقية منها ، والتي هي الهدف الاساسي لدخولها اوكرانيا ، بعد ان احكمت سيطرتها في بداية المعارك على المفاعلات النووية الاوكرانية ، والمصانع والمختبرات البيولوجية والجرثومية. الامريكية ، وتدمير الكثير من الاهداف العسكرية ومراكز السيطرة الاوكرانية . لتنسحب بعد ذلك من غالبية الاراضي الاوكرانية ، وتركز عملياتها في المناطق الشرقية منها فقط .
بحيث لم يجد الرئيس الامريكي امامه سوى ان يغير الكثير من قواعد اللعبة ، وان يعمل على تكوين تحالفات جديدة ، وايجاد حلول لمشاكل قديمة ويطوي صفحتها ، ويضمن السيطرة الامريكية على الكثير من دول العالم . وبنفس الوقت زيادة السيطرة الامريكية على الثروات النفطية والغازية في العالم ، وتحويل خطوطها الى اوروبا لتكون بديلاً للغاز الروسي ، وبذلك يكون الرئيس الامركي قد حقق نصره الكبير على عدوته الرئيسية روسيا . وهذا ما يجري العمل على تنفيذه في منطقتنا ،
وكما قيل فأن النصر في اوكرانيا يبدء من شواطئ لبنان والخليج حيث ام المعارك . وفي نفس الوقت تقوية حظوظ حزبه بالفوز في الانتخابات القادمة . ولذلك انطلقت كل هذه الاحاديث والخطط ، والتي شملت منطقتنا العربية ، علماً ان المعلومات عنها لا زالت تتأرجح ما بين الحقائق والتوقعات والتقارير الصحفية ،والتي ستكون موضوع حديثي في الحلقات القادمة.