طاهر المصري .. ولحظة انفعال نادرة
د. صبري ربيحات
31-07-2022 02:00 PM
يعتقد البعض ان المشتغلين بالسياسة والعمل العام والمواقع المتقدمة في الدولة وكبار السن لا ينفعلون ولا يبدون مشاعرهم خصوصا في مناسبات الفرح والغناء والرقص.. هذا الاعتقاد بدى للبعض غير صحيح وجانب من جوانب الصورة الذهنية التي نحملها لهذه الطبقة.
في المناسبات والأعياد التي يشارك فيها الرسميون يخرج بعضهم عند نهاية الاحتفال ليشارك في السامر او الدحية لغايات التصوير وكي لا يقال انه حضر بروتوكولات فقط.
بالامس اهتزت هذه القاعدة او الافتراض عندما دخل دولة طاهر المصري في نوبة من الانفعال العفوي وشارك بالغناء والتصفيق والدموع لمئات الحاضرين لحفل الفنانة الفلسطينية دلال ابو آمنة على مدرجات جرش.
في هذه الأمسية النادرة نسي معظم من تابعوا الحفل الغنائي الذي احيته الفنانة والناشطة السياسية المسرح ومن عليه وصلوا انظارهم على المدرج ليطالعوا انفعال احد اكثر من عملوا في السياسة الاردنية جماهيرية.
يحسب لدلال ابو آمنة التي اختارت قوة وجمال الصوت وصدى اللحن التراثي للنفاد الى الوجدان العربي المتأكل تحت وقع الطغيان والخيانة والتقدير والفساد والاذلال الممنهج لتحيي في جنباته بعضا مما أتى عليه الزمن.. إنها نفدت الى قلب ووجدان المصري فبعثت فيهما الحياة واظهرت عاطفة دفنتها الايام..
المطربة التراثية التي ايقظت في نفوس الفلسطينين والعرب احلامهم المشروخة وانستهم الواقع الذي صنعه المطبعون والمسالمون والمتسامحون والابراهيميون الجدد جاءت الى جرش لتحيي ليلة فلكلورية بمرافقة كورال نسوي ضم اكثر من ٤٠ سيدة ممن تزيد اعمارهن عن الأربعين عاما في نمط جديد من الغناء الجماعي النسوي الذي أصبح ظاهرة من ظواهر الفن المغاربي الجديد القديم.
انفعال طاهر المصري العفوي واشتباكه مع كلمات النشيد الوطني لكل العرب "موطني" كان المشهد الأهم والابرز الذي غطى على كل التفاصيل الأخرى وأثار زوبع من التعليقات التي تجاوز بعضها حدود اللياقة.
ما قام به ابو نشأت بالأمس مظهر إنساني يتوقع ان يقوم به كل شخص يحمل الجنسية الثقافية العربية ويسعى لرفعة وبهجة الأمة التي يجري ذبحها وافتراسها على أيادي الكثيرين بمعاونة ابنائها وسماسرتها.
صحيح ان الأمة متعبة والشعب محبط وغاضب وصحيح ان هناك عتب ولوم لكل من تولى زمام المسؤولية لكن من غير اللائق ولا الجائز ان يحمل البعض دولة طاهر المصري وغيره مسؤولية ما نحن فيه فالعمل الحكومي في الاردن مثل سباق الجري بالتتابع ولا احد يتحمل مسؤولية اكثر من الأمتار التي ركضها في الحارة المخصصة للجري..
طاهر المصري ومهما تقل عنه لم يكن فاسدا ولم يتطاول على المال العام كان خادما لبلده ينفذ سياسات لزمن محدد ويجري أعضائه بعد انتهاء مهمته.
تحية لـ دلال ابو آمنة وتحية لفلسطين وللاردن الذي سيبقى بيت العرب بلا أبواب ولا أسوار يحتضن الأحلام العربية المؤجلة ويصبر على ضنك الحياة وجود الأيام..