المستحدثات التكنولوجية والعملية التعليمية
د. آلاء طارق الضمرات
29-07-2022 03:28 PM
شهدت السنوات الماضية الارتباط الوثيق للمستحدثات التكنولوجية في العملية التعليمية التربوية, وتشير المستحدثات التكنولوجية إلى كل ما يمكن تطويعه مما هو جديد في عملية التعليم، من تكنولوجيا وأجهزة وآلات حديثة ووسائل تعليمية مبتكرة، بهدف زيادة فاعلية التعليم ورفع قدرة المعلم والمتعلم على التعامل مع العملية التعليمية وحل مشكلاتها، ورفع فاعليتها بصورة تتناسب وتتلاءم مع ثورة العصر المعرفية والتكنولوجية المعاصرة.
فالمستحدثات التكنولوجية ليست مجرد تكنولوجيا مكونة من أدوات وأجهزة، وإنما هي أعم وأشمل من ذلك، فهي طريقة في العمل وأسلوب في التفكير يتم توظيفها في التعليم لعمل على تحقيق أهدافه من خلال تقديم حلول إبداعية ومبتكرة لمشكلات التعليم، ولرفع كفاءة المعلم والطلبة، وقد تكون تلك الحلول أما مادية أو فكرية أو تصميمية, وتصنف المستحدثات التكنولوجية إلى جانبين وهما الجانب المادي والفكري, إذ يتناول الجانب المادي كل المستحدثات التكنولوجية والتي تتكون من أجهزة أو آلات تستخدم في عرض المحتوى وتخزينه, أما الجانب الفكري فيتكون من الأساليب والاستراتيجيات وكافة الطرق الحديثة التي تستخدم في تمثيل المحتوى التعليمي وعرضها للمتعلمين.
مما أدى إلى إعادة توظيفها في جميع متطلبات العملية التعليمية، فأصبح المنهاج أكثر مرونة وفاعلية، وأصبح التعليم متمركزا حول الطالب، فلم يعد الطالب متلقيًا سلبيًا، بل أصبح إيجابيًا نشطًا يتعلم من خلال برامج تعليمية تكاملية ومواقف أصيلة، ولم يعد المعلم ناقلًا للمعارف والمعلومات فقط بل أصبح موجهًا وميسرًا ومرشدًا للتعليم، ومصممًا ومشجعًا للبيئة التعليمية وكيفية التفاعل بينها, فأصبح المعلم مطورًا لعملية التعلم الذاتي للطلبة، مما يسهم في التطور الفعال في مخرجات العملية التعليمية.
وتهتم المستحدثات التكنولوجيا التعليمية بتصميم البيئة التعليمية وإدارتها بما يسمح بعملية التفاعل المباشر بين الطلبة وبين ما توفره لهم هذه البيئة من البدائل والخيارات التعليمية التي تتناسب مع قدراتهم، مما يتيح لهم فرصة اكتساب مهارات التعلم الذاتي، فالطلبة لديهم قدرة طبيعية على التعلم وتظهر وتنمو في ظل شروط معينة ترتبط ببيئة التعليم وما تشمل عليه من أحداث ووقائع، كما أن التطور في الأجهزة والتطور في البرامج أدى إلى ظهور أجهزة وبرامج تصميمية تستخدم خصيصا في الإغراض التعليمية, ويمكن استخدام هذه الأجهزة والمواد التعليمية بهدف تحقيق تطوير حقيقي في مجال التعليم، وهذه الأساسيات يجب أن تتوفر في المبادئ والأسس التي تقوم عليها استراتيجيات تفريد التعلم الذاتي.
ولا بد من استخدام المستحدثات التكنولوجية في إعداد المعلمين وتأهيلهم ليكونوا قادرين على توظيفها بكل كفاءة وفاعلية في المواقف الصفية، مما يشجعهم على تطوير أدائهم، وتوفير وبناء الثقة في أهمية استخدام التكنولوجيا في الغرفة الصفية وخارجها. فالتعلم من خلال المستحدثات التكنولوجية يؤدي إلى رفع القدرة على التفاعل والمناقشة والقضاء على الملل خلال عملية التعلم, كما ويساعد توظيفها على تنمية التفكير لمواجهة المشكلات وتحديات المستقبل، إذ يجب الاهتمام بتنمية التفكير المستقبلي للمتعلمين لمواجهة التحديات المستقبلية. لهذا نجد التوجه من قبل الاتجاهات التربوية المعاصر للاهتمام بضرورة مواكبة النظم التعليمية والتفاعل مع احتياجات العصر ومتطلباته، ومتطلبات المستقبل، فعلى أساليب التعليم الحديثة أن تعمل على إعداد الإنسان المتوازن القادر على العيش مع الحاضر والمستعد للتعامل مع المستقبل.
ويمكن النظر إلى استخدام المستحدثات التكنولوجية في العملية التعليمية إيجابيًا من خلال تأثيرها على كافة عناصر المنظومة التعليمية, ومن بين تلك التأثيرات الإيجابية التي يمكن أن نذكرها ما يلي:
تغيير الفلسفة التعليمية: لم يعد التعليم يقتصر على نقل المعرفة والمعلومات من المعلم إلى الطلبة، واختبار الطلبة في هذه المعلومات داخل المدرسة، بل أصبح التعليم في ظل استخدام مستحدثات تكنولوجيا التعليم متاحاً لكافة الأفراد على اختلاف مستوياتهم وثقافاتهم، وأصبح الطالب يملك حرية تعلم ما يشاء ومتى شاء وفق قدراته الأكاديمية ووفق استعداداته النفسية.
تغيير دور المعلم: فقد كان المعلـم المصدر الأساسي للمعرفة ومحـور العملية التعليمية، يقوم بعملية التلقين للمعلومات وضبط الطلبة داخل الصف، أما بعد استخدام المستحدثات التكنولوجية اختلفت أدواره ومهامه, فأصبح المعلم المصمم والميسر والمنظم للبيئة التعليمية، من خلال تصميمه للأنشطة التعليمية، وتشخيصه لمستويات المتعلمين، وتوجيه الطلبة وإرشادهم أثناء متابعته لتقدمهم نحو تحقيق الأهداف المنشودة.
تغيير دور الطالب: كان الطالب يلعب دوراً سلبياً في النظم التعليمية التقليدية يقتصر على تلقي المعلومات ومشاهدة العروض، وبعد استخدام المستحدثات التكنولوجية أصبح متفاعلا إيجابيا يقف موقف المشارك النشط, فأصبح محوراً للعملية التعليمية يتحمل مسؤولية تعلمه أثناء تفاعله مع المواد التعليمية سواء كانت مسموعة أو مرئية أو مقروءة أو متعددة الوسائط, وعليه أن يتعامل مع مختلف مصادر التعلم الحديثة.
تغيير أهداف المناهج: أصبح إكساب الطلبة مهارات التعلم الذاتي والمستمر، والعمل على غرس حب المعرفة وكيفية تحصيلها وطريقة توظيفها في عصر الانفجار المعرفي والمعلوماتي من أبرز وأهم الأهداف العامة للمناهج الدراسية.
لذا فإن دمج المستحدثات التكنولوجية وتوظيفها في التعليم أصبح مطلبا حيويًا وأساسيًا لتحسين المخرجات التربوية وتطويرها؛ لما تقدمه هذه المستحدثات من رفع كفاءة وفاعلية التعليم بجهد أقل وجودة أفضل.