وسوف اتابع حلقات فضفضتي حول ما يقال وما يخطط لنا . وكنت في مقالتي الاولى قد اشرت الى بعض هذه الامور تلميحاً ، لأن الحديث عنها كان خافتاً . الا انه في الايام التي تلت ذلك اصبح اكثر ضجيجاً . واصبحت ارى الاردن كريشة في قلب اعصار هائج ، لا اعرف اذا ما كان سيتمكن من النجاة منه ام سوف تذروه الرياح في معركة يجر اليها وهو ليس له فيها ناقة ولا جمل .

وحتى يكون حديثي مكتملاً وواضحاً ، فلا بد من الانطلاق من نقطة الحرب الامريكية الروسية على امتلاك مفاتيح العالم وثرواته . والتي انتهت جولتها الاولى بعد ان قامت اميركا بمحاربة الاتحاد السوفياتي في افغانستان بدماء المسلمين بعد ان اسمتهم مجاهدين . ثم جعلت منهم ارهابيين يقتلون بعضهم بعضاً ، ويقتلون شعوبهم ويدمرون بلادهم ، ويقتلون العالم و يجمعونه على كراهيتهم وكراهية الاسلام والمسلمين . وانتهت جولتها الثانية بانهيار الاتحاد السوفياتي وتفككه الى عدة دول مستقلة ، منها روسيا الاتحادية . وقد ادرك آخر زعماء العهد السوفياتي وعلى ضعفهم وعمالتهم للمخابرات الامريكية ، خطورة اتحاد شمال الاطلسي ( النيتو ) على بلادهم . لذلك فقد عقد ليونيد بريجنيف آخر زعماء الاتحاد السوفياتي ، وبوريس يلتسن اول زعماء روسيا الاتحادية الاتفاقيات مع اميركا والدول الاوروبية على ابقاء هذا الحلف بعيداً عن حدودهم الغربية . وبعد ان اصبح ضابط الكي جي بي فلادمير بوتين رئيساً لروسيا الاتحادية ، فقد عقد هو ايضاً الاتفاقيات ، ووقع المعاهدات مع اميركا للمحافظة على الالتزام بهذا الشرط .

إلا ان اميركا والتي تريد ان تكون سيدة العالم بلا منازع ،كان لها مشروعاً آخر ، وخاصة بعد ما لمسته من قوة شخصية بوتين ، وسعيه لاعادة امجاد الدولة الروسية ، والعودة لسياسة المحاور . ولذا فقد عملت على ضم العديد من الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي السابق ، او التي كانت تدور في فلكه الى الاتحاد الاوروبي وحلف النيتو . واخذت تقترب من الحدود الروسية رويداً رويدا ، وضمت العديد من الدول التي تقع على بحر البلطيق وبحر ازوف والبحر الاسود وبحر مرمرة ومضيق الدردنيل وبحر ايجة الى هذا الحلف . وذلك بهدف نزع سيطرة روسيا الاتحادية على هذه البحار المغلقة .حتى انها ضمت تركيا لهذا الحلف العسكري ، في حين لم تسمح لها بالانضمام للاتحاد الاوروبي . وذلك لتجعل منها جندي حراسة فقط على مدخل هذه البحار ، ولكي تقوم بمهمة اغلاق مضيق البسفور امام السفن الروسية ، وتمنع الاسطول الروسي من المرور منه الى البحر الاسود ، او الخروج منه للبحر الابيض المتوسط عند الحاجة .

ثم كانت الجولة الثالثة هي محاولتها ضم المزيد من هذه الدول لهذا الحلف وعلى راسها جورجيا واوكرانيا ، وذلك لقربهما من روسيا واهميتهما الاستراتيجية والعسكرية لها ، وبالرغم من ان روسيا ترى ان قسماً كبيراً من اراضي هاتين الجمهوريتين هي ارض روسية . ويعيش عليهما شعب روسي . ولانها ترى ان انضمامهما لحلف النيتو سيمكن هذا الحلف من وضع اسلحته النووية على بعد اربع دقائق من قلب موسكو ، وقبل ان تتاح لها فرصة التصدي لهذه الاسلحة او الرد عليها .

علماً ان جمهوريتي ابخازيا و اوسيتيا الجنوبية في جورجيا يقطنهما شعب من اصول روسية . وان شبه جزيرة القرم كانت ارضاً تابعة للاتحاد السوفياتي ، قام الزعيم السوفياتي غورباتشيف بضمها الى جمهورية اوكرانيا الشعبية الروسية والتي كانت احدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق ، وعلى اساس وحدة الاراضي السوفياتية بغض النظر عن كونها تابعة لهذه الجمهورية او تلك من جمهوريات الاتحاد السوفياتي . علما انه توجد بها اكبر قاعدة عسكرية روسية في ميناء سيفاستوبول ، والتي يطلق عليها مدينة المجد الروسي .

وكانت توجد في جمهورية جورجيا وجمهورية اوكرانيا انظمة حكم موالية لروسيا الاتحادية . ولكن وفي عام 2003 قامت الثورة القرمزية المدعومة من الغرب في جمهورية جورجيا ، والتي كان يرأسها ادوارد شيفرنادزه ، وزير خارجية الاتحاد السوفياتي قبل انهياره ، مما ادى الى سقوط نظام حكمه ، و في فترة لاحقة سيطر انفصاليين مدعومين من روسيا على منطقتي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية ،واعلانهما جمهوريتان مستقلتان عن جورجيا وذلك عام 2006. ولا يزال النزاع حولهما مستمراً حتى الآن .

اما فيي اوكرانيا فقد كان يرأس حكومتها عام 2004 فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا ، وفي هذه العام حصلت الثورة البرتقالية المدعومة من الغرب والولايات المتحدة ، مما ادى اسقاط حكومته في عام 2005 . الا انه وفي الانتخابات عام 2006 عاد ليصبح رئيساً للوزراء.

وفي عام 2010 نجح في انتخابات راسة الجمهورية وسط ادعاءات بحصول تزوير في الانتخابات . وفي عامي 2013 و 2014 اندلعت احتجاجات واسعة على حكمه ، عرفت بثورة الميدان ، حيث كان انطلاقها من ميدان كييف وكانت تدار من الغرب واميركا ، ومن السفارة الامريكية في كييف وباشراف جو بايدن والسفيرة الامريكية وآخرين . وقد اسفرت هذه الثورة عن سقوط حكم يانوكوفيتش وفراره الى روسيا .

على اثر ذلك قامت القوات الروسية باجتياح شبه جزيرة القرم ، وضمها بعد ذلك الى روسيا بعد استفتاء شعبي جرى فيها . كما حصلت في نفس الوقت حركات تمرد على حكومة اوكرانيا في شرق البلاد حيث توجد اغلبية ذات اصول روسية هناك واستطاعت السيطرة على بعض المناطق في دونباس ، والاعلان عن قيام جمهوريتي دونيتسك و لوغانسك . وقد استمرت بعد ذلك المعارك المتقطعة ما بين الانفصاليين الموالين لروسيا والمدعومين منها ، وبين القوات الاوكرانية المدعومة من تنظيمات يمينية تتبنى الافكار النازية وترفع شعاراتها مثل تنظيم ازوف .

تولى الحكم بعد ذلك زعماء موالين للغرب حاولوا مراراً وتكراراً الانضمام لحلف النيتو ، ولكنهم لم يلاقوا الا الوعود . وفي عام 2019 نجح الممثل الكوميدي فولوديمير زيلينسكي براسة الجمهورية الاوكرانية ، والذي حظي بدعم كامل من الولايات المتحدة والدول الغربية ، مع ارسال اشارات له الى انهم مستعدون لضم اوكرانيا لحلف النيتو . وقبل الغزو الروسي لاوكرانيا بفترة وجيزة ، اصدر الرئيس الاوكراني مرسوماً باطلاق حملة لاسترداد شبه جزيرة القرم والمناطق الشرقية من اوكرانيا . ونشبت هناك معارك ما بين القوات الاوكرانية والمنظمات الموالية لها مع الانفصاليين . كما اعلن عن قرب الانضمام لحلف النيتو . وبتاريخ 24 / 2 / 2022 وبحركة استباقية قامت القوات الروسية باجتياح الحدود الاوكرانية ، ليخرج البعض ويقول ان روسيا قد وقعت في الفخ الامريكي ، و ليتبين فيما بعد ان اميركا هي التي وقعت في الفخ الروسي كما سوف اوضح ذلك في الحلقة القادمة ، الى درجة دفعتها لان تبحث عن نصر لها في مناطق اخرى من العالم ونحن من ضمنه ، والى السعي لعمل حلف نيتو جديد شرق اوسطي يخضع لها ويخوض معاركها بالنيابة عنها ، وتضع يدها على وقوده ، قد يمكنها من تحقيق فوزها على روسيا كما سيلي ذكره.