تشكل الأقساط المدرسية عبئا كبيرا على الأهالي الذين يطمحون في أن يتلقى أبناؤهم تعليما نوعيا لا توفره المدارس الحكومية التي تواجه تحديات كبيرة في البنية التحتية والاكتظاظ والمناهج وآليات التعلم، وغيرها، فيضطرون إلى تسليم أنفسهم طواعية لـ”مصيدة” أصحاب مدارس خاصة، مفضلين “جحيمهم” على “جنة” المدارس الحكومية.
ولأن الحكومات، حتى اليوم، فشلت في أن تضع منظورا عمليا لاستغلال العطلة الصيفية لأكثر من مليوني طالب، فإن أي أسرة ترغب في ملء فراغ أبنائها خلال العطلة، لا تجد أمامها سوى المدارس الخاصة، مرة أخرى، عبر نواديها الصيفية ذات الأسعار غير المعقولة، والنشاطات غير المعدة بعناية ووفق رؤية علمية.
ما تقدم، أفرز على السطح شكلا جديدا من أشكال التجارة التي تستهدف جيب المواطن، وتستغل حاجته لإشغال مساحة واسعة من وقت أبنائه، لذلك، نرى كثيرا من العائلات مضطرة إلى هذا الأمر، خصوصا أن العائلة الأردنية الحديثة تشتمل على أبوين عاملين، وليس هناك من هو متفرغ لكي يؤدي دورا محوريا في هذا السياق.
لكن، إذا لم تستطع موازنات الأسر أن توفر لأبنائها فرصة الانضمام إلى مثل هذه النوادي الصيفية، فما هو البديل؟!
لا شك أن ثمن البديل سيكون مرتفعا، وسندفعه كاملا؛ دولة ومجتمعا ونظاما تعليميا، فالخيار الأول، وهو الأكثر تواجدا اليوم في البيوت الأردنية، هو أن يقبع الطلبة في منازلهم، وأن يغرقوا أنفسهم في عزلة اختيارية، يسقطون خلالها في فخ الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية العديدة، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع المهارات الاجتماعية للكثير منهم، ويجعلهم غير قادرين على إدارة أي نوع من الحوار، إضافة إلى ما يفتحه الإنترنت من مخاوف حقيقية لأن يكون هؤلاء الأطفال صيدا سهلا لمجرمين ومنحرفين ومتنمرين، خصوصا أن الولوج إلى الشبكة يتم في الغالب بعيدا عن الإشراف الأسري!
الخيار الثاني، هو أشد وطأة، إذ يتمثل في فتح الباب أمام جنوح بعضهم نحو عادات مرفوضة، أو تصطدم مع القانون، ما يؤدي إلى انحرافهم عن الطريق الطبيعي لحياتهم، ونكون بذلك قد ساهمنا في أن ننشئ أفرادا غير أسوياء، يستسهلون الجرائم والجنح.
المشكلة أن الخيارين متوفران اليوم لأي طفل لا يجد طريقة مناسبة لسد وقت فراغه وإشغاله بما هو مفيد.
نحن نعيش اليوم في العقد الثالث من الألفية الثالثة، بينما يدخل الأردن مئويته الثانية، ولا يمكن لنا أن نستوعب أن الحكومات لم تفكر حتى الآن في كيفية الاستفادة القصوى من طلبة المدارس خلال عطلتهم الصيفية الطويلة!
تستطيع وزارة التربية والتعليم أن تتبنى برامج متطورة للتدريب والتأهيل للطلبة، وأن تشجع على تعلم التفكير النقدي والإبداعي والتصميمي، خصوصا أنها أنماط التفكير الرائجة عالميا اليوم. تستطيع، عبر نواد صيفية متخصصة، أن ترفد الطلبة الموهوبين بمزيد من الآليات التي تعزز مواهبهم، وأن تكشف عن مكامن الريادة في بعضهم، وأن تنشئ نوادي متخصصة للإعلام، والمعلوماتية، والرياضيات، والعلوم، والفيزياء، وغيرها، في جميع المحافظات.
هذه خطوة مهمة للاستثمار في الأطفال، بدل أن نتركهم ليواجهوا مصيرهم بين خيارين؛ عزلة وتراجع في المهارات الاجتماعية، أو أبواب الانحراف!
(الغد)