المُتتبع والمُراقب لما يحصل في الأردن، خلال الفترة الماضية، والتي قد تصل إلى عدة أعوام.. يُلاحظ، وبما لا شك فيه، أن هُناك كُرهًا لهذا الوطن، وسواء أكان ذلك عن قصد أو غير قصد، فإن ذلك يدق ناقوس الخطر، ويجعل الكثير من الغيورين على البلاد، في رعب دائم.
كُره الوطن، يبدأ من أمور صغيرة، يستحقرها الكثير، ويتدرج إلى أن يصل لأمور أكبر، فمثلا عندما يتم توجيه «اتهامات»، لا أصل لها ولا صحة، أو «تخوين» جهة مُعينة أو فئة ما أو مجموعة أشخاص، لمُجرد أنهم يُدافعون عن وجهة نظر أو يتبنون طرحا مُعينا، فذلك يُعتبر كُرهًا للوطن وليس حُبًا فيه أو له.. فالأصل في هذه الحياة هو الاختلاف، وإلا فلا معنى لهذا الوجود بأكمله، لو كانت البشرية جمعاء مُتفقة أو مُتوافقة على الأمور كُلها.
عندما يكون هناك أُناس يرفضون قانونا أو فكرة أو توجها، فهذا لا يعني أنهم يكرهون الوطن، لكن عندما «يُشيطنون» بعضهم البعض، فذلك يُعتبر كُرهًا.. وعندما يُقاتلون من أجل طرح، لإرضاء جهة أو جهات، أو يكون من ورائها أجندات، أو لتحقيق مغانم شخصية، فذلك أيضا كُره.. فالاختلاف المنطقي المهني الموضوعي أبدا لا يعني كره الوطن.
وعندما يكون هُناك مسؤول أو مُدير دائرة، ويختلس المال العام، مهما بلغت قيمته، فذلك كُره للوطن.. وعندما يُحابي ذلك المسؤول أو المُدير شخصا ما على حساب آخر، انطلاقا من محسوبية أو قرابة أو مناطقية أو جهوية، فذلك أخطر أنواع الفساد، وهو ما يُسمى بالفساد الإداري، وهو يأتي في أعلى سُلم كُره الوطن.
السؤال الذي يطرح نفسه هُنا، يتمحور حول ما هو الشيء الذي يُجبر الإنسان على كُره وطنه؟، الإجابة على هذا السؤال، تتمثل بالمسؤولية التي تتحملها الدولة بالدرجة الأولى، ثم المواطن بالدرجة الثانية أو حتى الثالثة، فالأصل في أي دولة أن تكون عادلة في كُل المجالات، أكانت اقتصادية أم اجتماعية أم مالية أم وظائف، أو حتى في نظام الانتخابات، أكانت بلدية أم نيابية.
المواطن الذي يرى أن دولته غير عادلة، وفيها من الظلم الكثير منه ما يقع عليه وآخر يقع على غيره، ويرى أيضًا ان الدولة تُكافئ أصحاب الصوت العالي أو المُعارض، إن صح التعبير، بتسليمه مناصب رفيعة، أو تُغدق عليه الأموال أو تُسهل له الأمور المُستعصية، فإن ذلك يوجد احتمالية لدى بعض الأشخاص إلى كُره الوطن، وإن كان كُل ذلك ليس مُبررا أو سببا لكره البلد.
حُب الأوطان، شيء مُقدس، يكون في الإنسان بـ»الفطرة»، أي يُجبل عليه منذ نعومة أظافره، ناهيك عن أن الأخلاق والنخوة والشهامة تدعو إلى ذلك، ومن قبلها أو بعدها أكدت عليه كل الأديان السماوية أو الوضعية.
حُب الوطن، لا يكون من خلال رفع شعارات، أو تصريحات رنانة في مُناسبة مُعينة، بل يكون من خلال أفعال مُقترنة بالإخلاص والانتماء لتُراب هذا الوطن.. حُب الوطن يكون بالخوف عليه من أي طارئ، قد يعود بالضرر عليه أو على أي من أبنائه.. عندما يرفع شخص أذى بسيط من الطُرقات أو حتى ورقة من إحدى الشوارع، لكي تبقى منطقته نظيفة، فذلك نوع من أنواع الانتماء للوطن.
(الغد)