حاضر العشيرة ومستقبل الحزب في الحياة السياسية للأردنيين
نايف القاضي
25-07-2022 12:14 PM
قبل سنوات طويلة وفي نهاية المرحلة الابتدائية وبتشجيع من احد المعلمين انتسبت الى أحد الأحزاب القومية في ذلك الحين انسجاماً مع الجو السياسي الذي ساد الأردن والمنطقة العربية وخاصة بلاد الشام ومصر وتحت شعار العمل القومي وحماية الوطن وتحقيق الوحدة العربية وهي نفس الشعارات والأهداف التي نادى بها المغفور له ملك العرب الحسين بن علي من قلب مكة من اجل الخروج من تحت العباءة العثمانية واقامة الدولة العربية المستقلة. وبعد تجربة قصيرة في العمل الحزبي وكنت في حينها قد انتظمت في الدراسة بجامعة دمشق حيث تم الاعلان عن سقوط الوحدة بين سوريا ومصر واشتراك الحزب نفسه بعملية الانفصال مما اضطرني للانسحاب من الحزب رغم محاولات بعض الزملاء الاردنيين في الحزب سواء في دمشق او خلال انتقالي الى جامعة بغداد ثنيي عن الانسحاب دون فائدة.
لقد دخلت الحزب بقناعتي السياسية والوطنية وخرجت منه بنفس القناعة رغم كوني ابن قبيلة تمتد جذورها لتشمل معظم الاقطار العربية وأيقنت بان العمل القومي هو نهج سياسي حر وان العمل من منطلق قبلي تحكمه مصالح عشائرية جامدة لا تقبل المراجعة والتغيير في حين ان الانتماء السياسي للوطن لا يخضع لاعتبارات مصلحية فردية أو جماعية ومحكوم بالواقع والهدف السياسي وبالاسلوب الديموقراطي المناسب.
وفي ضوء اللقاء الذي تم قبل أيام بين جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمير الحسين حفظهما الله مع أبناء وبنات البادية الشمالية في قاعدة سلاح الجو الملكي في مدينة المفرق وبترتيب من قبل مستشارية العشائر والتشريفات الملكية في الديوان الملكي العامر. ويمكن تسجيل الملاحظات التالية.
1- كان اللقاء يمثل نقلة في مستوى الحضور وفي الكلمات التي القيت من المتحدثين لم نعتد عليها في السابق وتحت اسم العشيرة او القبيلة ولم يتقيد اصحاب الكلمات بالتحدث عن أنفسهم أو عن عشائرهم لكنهم غيروا من هذا النهج ودخلوا في المواضيع بعمق وتحليل والتعرض للشؤون العامة التي تهم المواطن الاردني في كل مكان.
وركزوا بشكل رئيسي ومقصود على مرحلة التحول السياسي والدور التاريخي الذي يلعبه الاردن والاجراءات الاصلاحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والادارية واعلنوا ترحيبهم بها.
2- لم يستند المتحدثون امام جلالة الملك الى مواقعهم العشائرية وكان معظمهم ينطلق من خبرته وتجربته في الخدمة المدنية في الحكومات الاردنية او من خلال خدمته في القوات المسلحة او قوات الأمن وأجهزة المخابرات الاردنية وعلى الرغم من كون معظمهم من أصول عشائرية ومن منطقة بدو الشمال المحاذية للحدود مع سوريا والعراق والسعودية الا ان مشاعرهم واحاديثهم كانت أوسع وقضاياهم كانت على طول وعرض الاردن رغم بعض الاشارات العابرة.
3- كان البعد القومي والحرص على أمن الاردن وسيادته وتقوية العلاقات مع الدول العربية الشقيقة هو المساحة الواسعة التي صال وجال بها المتحدثون وكانت مطالب الحضور محدودة وبعيدة عن المصالح المحلية والعشائرية وكانت مقدمة شجاعة للخروج من دائرة المصالح العشائرية والقبلية الضيقة والانطلاق للتجاوب الصادق الصريح مع عمق الرؤية الملكية بالانتقال بالدولة الاردنية الى الدولة الديموقراطية الحديثة والوصول الى الحكومات البرلمانية الحزبية والاستعداد لتعميم وجود المرأة والشباب في كل المؤسسات الاردنية.
4- كانت فلسطين والقدس والمقدسات الاسلامية والمسيحية والوصاية الهاشمية عليها وثبات الموقف الاردني منها هو مركز الحديث وأساس اللقاء وتأكيد الحضور على الدور التاريخي الاردني في الدفاع عن فلسطين واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وحل الدولتين وحقوق الشعب الفلسطيني ومواصلة الدعم للاشقاء الفلسطينيين ومساعدتهم لتوحيد الصف وجمع الكلمة والتمسك بقضيتهم العادلة.
5- أكد الاردنيون في منطقة البادية الشمالية انهم (اصل العرب) ودعاة الوحدة العربية وهم الذين كانوا ولا زالوا يجمعون كلمة العرب، وهم منطلق الوفاق والاتفاق، ويقفون اليوم وكما كانوا بالأمس خلف وحول جلالة الملك بأصولهم وفئاتهم وحدة واحدة لا يقبلون القسمة يدافعون عن وطنهم وحدوده بأنفسهم وأبنائهم وبكل ما يملكون.
6- يثمن الأردنيون وفي مقدمتهم ابناء البادية كل المبادرات والخطوات الاصلاحية الجديدة ابتداء من قانون الاحزاب والانتخاب والتعديلات الدستورية والجهود المبذولة للوصول الى الحكومات البرلمانية والحزبية في اطار الديموقراطية الاردنية وخاصة الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والادارية والعلمية ويرون فيها خطوات متقدمة للوصول الى الدولة الديموقراطية الاردنية الحديثة وخروجا نهائياً من مفاهيم الدولة الاجتماعية القديمة دون التخلي عن القيم والمبادئ والعادات والاعراف الاردنية الاصيلة التي تحفظ فيه الشخصية والخصوصية الاردنية التي لا يمكن الخروج عليها.
7- أعلن المتحدثون التأييد للخطاب الملكي في قمة جدة بحضور الرئيس الاميركي جو بادن الذي عبر فيه الملك عن قوة الموقف الاردني وثباته وحرصه على إنهاء الاحتلال الاسرائيلي الكريه وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية والقبول بحل الدولتين والتزام جلالته بالمسؤولية المشرفة لرعاية وحماية الأماكن الاسلامية والمسيحية في القدس والدفاع عنها وعدم السماح بالعبث بوجودها او تغيير واقعها التاريخي والقانوني الثابت عبر التاريخ.
كان اللقاء مع جلالة الملك وولي عهده الأمين أن الأردنيين ماضون معه وأنهم يقبلون باعتزاز كل الاصلاحات والاجراءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية الجديدة للانتقال إلى مجتمعات الحكومات الديموقراطية الحزبية البرلمانية العصرية دون تردد.
يبدو بوضوح أن القبلية والعشائرية كانت احدى مكونات الدولة الاجتماعية القديمة قد اتفقت عناصرها وافرادها اليوم على الانضواء في ظل مملكتنا الديموقراطية الحديثة وأصبحت الأحزاب والمجالس التشريعية المنتخبة هي القاعدة والأساس فيها بإذن الله.
الرأي