هل نعلم مواد دراسية أم نعلّم أطفالًا: سرير بروكرست!
د. ذوقان عبيدات
25-07-2022 10:07 AM
في مؤتمر بجامعة اليرموك أثرت هذا السؤال وقلت: هل نعلم التاريخ والعلوم والحساب واللغة للأطفال والشباب أم نعلم الأطفال والشباب هذه المواد؟
هل أعلم الجغرافيا أم أعلم طفلًا؟
طبعا الفارق كبير، بل كبير جدًا!
فحين نعلم المواد الدراسية تكون المادة هي الهدف بذاتها، أما حين نعلم الإنسان يكون الإنسان هو الهدف!
فهل الإنسان وسيلة لتعليم المواد الدراسية أم المواد وسائل لتعلّم الإنسان؟
والفارق هو فارق بين فلسفتين: تقليدية وحداثية. في الفلسفة التقليدية يحرص النظام التعليمي على سكب ما توصل له المجتمع من حقائق في عقول الطلبة ليخرجهم كأسنان المشط متماثلين شكلًا ومعرفة ومستوىً ولذلك نمتحنهم لنتأكد من تماثلهم ووصولهم إلى المستوى المأمول: حفظًا وتذكرًا واستدعاءً ثم نبارك لهم بالنجاح! ونحن متأكدون أنهم مزّعوا الكتب التي قرأوها ونسوْا معظم ما فيها بعد فترة! في هذه الفلسفة تكون المادة هي الأغلى من الطفل، ولذلك نتفنّن في إجبار الطفل على الامتثال والتماثل، حتى لو كان الحل التسرب من المدرسة
أو الرسوب وكراهية المدرسة وموادها وكل أفعالها!
أمّا في الفلسفات التربوية الحداثية فالأمر مختلف جدًّا: نحن نعلم الأطفال ونساعدهم على النمو، ونقدم لهم معارف ليعيدوا
تشكيلها والتفاعل معها كلٌ وحاجاته وقدراته وميوله. فإذا تعارضت المادة الدراسية مع الطفل نعدِّل المادة بدلًا من تعديل الطفل. فما معنى تعديل المادة؟ وما معنى تعديل الطفل؟
تعديل المادة يعني جعلها مناسبة له: كمًا ونوعًا وأسلوبًا.
وتعديل الطفل يعني قهرًا وترسيبًا
وتعجيزًا وتحفيزًا وإذلالًا ومنافسة
غير متكافئة مع زملائه! في تعديل الطفل نسعى نحو التماثل كأسنان المشط أو علب البيبسي.
وتعديل المادة يعني أيضًا تنويعًا وخيارات واختيارات حرة لخلق التنوع وفق طبيعة الحياة. التماثل تعصب وإلغاءٌ للتعددية، والتنوع انفتاح وقبول للاختلاف.
وللتوضيح أذكر بأسطورة بروكر ست اليونانية عن شخص يستضيف زوارًّا ولديه سريرٌ حديدي، فإذا كان الضيف أطول من السرير كان يقص رجليه ليناسب طول سريره، وإذا كان الضيف أقصر من السرير عمد إلى فكفكة مفاصل الضيف ليجعلها قدر سريره!!
وهنا السؤال: أليس من الأفضل إعداد سرير مرن يمكن التحكم فيه زيادةً أو نقصانًا بدلًا من التحكم بالزوار قصًّا وفكفكةً!
ليت قادتنا التربويين" وليس لدينا قادة"يدركون أهمية إلغاء سرير بروكرست أو البروكرستية وتعديل التعليم ليناسب الأطفال بدلًا ممّا يفعلون!
يا سادتي سيداتي: المعلمون والمعلمات في المدارس والجامعات لا تعلموا موادكم بل علِّموا أطفالنا وشبابنا لعلكم تفلحون!