لا شك أن الأحداث المتسارعة والمتلاحقة التي مر بها العالم خلال الحقبة الحالية وما قبلها، قد أثرت في خارطة الاقتصاد العالمي، وعصفت باقتصاديات عدد كبير من دول العالم، وخصوصًا الدول النامية، بل إنها هددت استقرار كيانات كبرى وجعلتها على حافة مستقبل غامض، بدءًا من الازمة المالية مرورًا بجائحة كورونا التي كان لها نصيب وافر في خلخلة واهتزاز الاقتصاد العالمي وإصابة الدول التي تفشى فيها الوباء بشلل اقتصادي وركود تام، وصولًا إلى الحرب الروسية-الأوكرانية التي احدثت اضطراب عالمي بمجرد أن دقت أجراس الحرب فشهد العالم اختلال في سلاسل الامداد وارتفاعًا متزايدًا في أسعار الوقود والسلع الغذائية وزيادة نسبة التضخم، واتجاه البنك الفيدرالي إلى رفع سعر الفائدة؛ مما زاد من تأثير الأزمة بأشكال متفاوتة.

ووسط هذا الكم من التحديات وتعاقب الأزمات التي ألقت بظلالها ولا تزال على الاقتصاد العالمي، فإن المملكة الاردنية الهاشمية ورغم تأثرها بطبيعة الحال، استطاعت أن تحدث نوعًا من التوازن عبر إجراء حزمة من الإصلاحات التي أسهمت بشكل كبير في دعم الاقتصاد الاردني، ومن المؤشرات الدالة على هذه القدرة في مواجهة التحديات تحقيق الاقتصاد الاردني لمعدل نمو 2.2% العام الماضي مقابل 2.1% المسجل خلال السنوات الخمس التي سبقت الجائحة، لكن يشهد الأردن معدلات تضخم تتراوح بين 4 إلى 5% خلال النصف الثاني من العام الحالي ليسجل أعلى مستوياته منذ عام 2018 وفق بيانات البنك المركزي، مرتبطة بارتفاع اسعار النفط والغذاء عالمياً، على غرار العديد من الاقتصادات الأخرى المعتمدة على الاستيراد.

مؤشرات الاقتصاد الكلي ومعدلات البطالة التي بلغت حوالي 23 بالمئة في نهاية عام 2021، تتطلب تعزيز القدرة التنافسية للمملكة والتي تعد من الأهداف الرئيسية في رؤية التحديث الاقتصادي 2033، حيث يتوقع استحداث مليون فرصة عمل خلال عشر سنوات، ونظراً لأن الاقتصاد الاردني لا يزال بعيداً عن المرکز الذي يستحقه في مؤشر التنافسية العالمية وفي مکوناته الثلاثة مؤشر المتطلبات الأساسية، ومؤشر حافز الکفاءة، ومؤشر تطوير الأعمال وعوامل الابتکار، حيث يحتل الاردن المرتبة 56 عالميا حسب التقرير الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية ، لذلك يتوجب وضع آليات لتحسين التنافسية والشفافية العالمية للاقتصاد الاردني.

لتحقيق هذا الهدف يتطلب الاقتصاد الوطني اعتماد سياسات إصلاحية ترمي إلى إعادة تأهيل وهيکلة الاقتصاد الاردني خاصة إصلاح الاختلالات الاقتصادية الکلية، لا سيما عجز الموازنة العامة للدولة وتفاقم الدين العام وکبح الضغوط التضخمية وذلك على النحو الذي ينعکس على تحقيق النمو المتوازن والمستدام من خلال فتح قطاعات الطاقة والمياة والنقل للتنافس وان يتم انهاء اي احتكارات مسبقة، وذلك لتهيئة بيئة اقتصادية مرنة تدعم قدرة الأردن التنافسية في اقتصاد عالمي مفتوح.

الاقتصاد الاردني بحاجة الى تحسين كفاءة توزيع موارده المتاحة وتقليل الفاقد منها وتوجيهها نحو المشاريع الصناعية والإنتاجية التي يتطور من خلالها القطاع التصديري في الأردن حيث نعاني حاليا من ضعف في تنوعها السلعي والجغرافي حيث تستحوذ 13 سلعة على حوالي 61 بالمئة من الصادرات الصناعية، اضافة الى فرصا تصديرية غير مستغلة تقدر بما يزيد عن حوالي 4 مليار دولار حسب مركز التجارة العالمي، وهذا يتطلب رفع القدرات التسويقية والترويجية للمنتجات الأردنية وتوجيهها بالشكل المطلوب، حتى تصل الى الأسواق العالمية.

كذلك توفير بيئة اعمال ميسرة من خلال اعادة هندسة العمليات وتسهيل الاجراءات وتحقيق الاستقرار التشريعي والاسراع بتطبيق مشروع النافذة الالكترونية وتحسين شبكات النقل خصوصا مشروع سكة الحديد، ستاسهم باستقطاب استثمارات تحاكي التطورات العالمية في موضوع الاقتصاد الاخضر والاستفادة من الصناديق المالية العالمية في التوجهات الاستثمارية مع التركيز على تبني آليات المشاركة في التمويل والإدارة بين القطاعين العام والخاص لتأسيس مشروعات رائدة فـي عدد من مجالات وزيادة نسب توطين تكنولوجيات الصناعة.

* عضو مجلس ادارة - شركة ادارة الاستثمارات الحكومية