سياسة مالية قصيرة النظر ستكون عواقبها سلبية
الفرد عصفور
24-07-2022 11:57 AM
أسوأ ما يمكن أن تقدمه الحكومة لأي قطاع في الدولة هو الدعم النقدي المباشر الذي يفاقم المشكلة ويخلق الكسل لدى العاملين في هذا القطاع ويفسح المجال للفساد المالي.
هل يوجد أسوأ من تقديم دعم نقدي مباشر للنقل العام الذ يديره القطاع الخاص؟
لماذا تقديم دعم نقدي مباشر لوسائط النقل العام؟ إذا كان أصحاب وسائط النقل العام من القطاع الخاص يخسرون فلماذا يعملون في هذا القطاع؟ إذا كانت الحكومة ستدعم كل قطاع يخسر سنعود لسياسة "الصبة الخضرا" وعندها سيطالب أصحاب المدارس الخاصة مثلا بدعم نقدي مباشر فهم يقدمون خدمات مؤازرة لخدمات التعليم الحكومي لكن تجارتهم تخسر ويجب تقديم دعم نقدي لهم. وقد ينطبق هذا على كل القطاع الخاص.
سياسة الدعم النقدي لوسائط النقل العام تدل بشكل أكيد على فشل الإدارة الحكومية في التعامل مع مسألة النقل العام مع أن مبالغ الدعم النقدي التي ستوزع على قطاع النقل (38 ألف مركبة) في بضع سنوات يمكنها إنشاء شركة نقل عام وطنية عملاقة تحل المشكلة من جذورها. من المعيب أن يكون لدينا نقل عام يديره القطاع الخاص ويعوض خسائره من أموال دافعي الضرائب.
سيقوم أصحاب وسائط النقل العام بعد إقرار سياسة الدعم النقدي بضبط ميزانياتهم لتظهر الخسائر السنوية ويتقدمون بطلب تعويضات ويتم تعويضهم من أموال الشعب وما يرافق ذلك التعويض والدعم من تسويات سرية وتسريبات مالية وتنفيعات للمحسوبيات والأقارب وما شابه ذلك.
لماذا لا تريد الدولة حل مشكلة النقل العام حلا نهائيا وجذريا ونافعا ومفيدا؟
الجواب بسيط وهو أن الحكومة مستفيدة من وجود مشكلة نقل عام. حل المشكلة من خلال شركة نقل عام وطنية رخيصة التذاكر تعني انخفاض الطلب على السيارات الخاصة وبالتالي انخفاض العائدات الجمركية وكذلك انخفاض استهلاك البنزين وانخفاض ما تجنيه الحكومة من ضريبة البنزين وهي ضريبة جائرة بكل معنى الكلمة.
لقد سبق وذكرت دراسة اجنبية تفحصت مشكلة النقل العام في الأردن أنها خرجت بنتيجة مفادها أن الدولة الأردنية لا تتعامل مع مشكلة النقل العام بصورة جدية ومؤكد أنها غير معنية بحلها.
طريقة الحكومات الأردنية في معالجة المشكلات الاستراتيجية في البلد تسهم في تفاقم هذه المشكلات وتعميقها وتحميل الموازنة العامة للدولة مصاريف وتكاليف إضافية تزيد من الأعباء وترفع المديونية.
الدعم النقدي لوسائط النقل العام هي بالفعل فكرة عبقرية لا يوجد مثيل لها في العالم كله بأن تقوم الحكومة باستخدام أموال الشعب لتعويض خسائر شركات من القطاع الخاص.
حل مشكلة النقل العام في الأردن وفي العاصمة عمان بشكل خاص ممكن ببساطة شديدة. إقامة شركة نقل عام وطنية (برأسمال مئتي مليون دينار يمكن توفيرهم بسهولة) تشغل ما بين 750 إلى 850 باص بتذاكر شهرية لا تزيد عن 15 دينارا للشخص وتذاكر مجانية للأشخاص فوق الستين عاما. وتغطي شبكة الباصات العاملة في هذه الشركة جميع الخطوط الداخلية وكذلك الخطوط بين عمان والمدن المجاورة (الزرقا – السلط – مادبا – أبو نصير – سحاب). بهذه الوسيلة يمكن تخفيض استهلاك البنزين بنسبة تصل إلى أربعين في المئة على الأقل وتخفيض التلوث إلى حدوده الدنيا وبالتالي تخفيض الأمراض السرطانية التي باتت تفتك بالناس حيث اصبح الأردن من أكثر الدول معاناة من هذا المرض بأعداد تصل إلى ثمانية آلاف واكثر كل السنة.
للأسف الشديد، هناك تحالف خفي أو غير معلن وحتى لا تكون هناك شبهة يمكن القول أن هذا التحالف جاء مصادفة والحكومة غير واعية له مع مستوردي البنزين ومستوردي السيارات لأجل ما تجنيه الحكومة من رسوم وضرائب وجمارك وتفرح لذلك مؤقتا لكنها تعود وتخسر هذه المبالغ من خلال استنزاف العملات الصعبة في استيراد النفط واستيراد السيارات (فاستمرار أزمة النقل تعني استمرار الطلب على السيارات الخاصة وارتفاع المستورد منها) وكذلك استيراد قطع السيارات حيث تبلغ خسائر الأردن في قطع السيارات جراء حوادث السير ما يزيد عن ثلاثمئة مليون دولار في السنة. وهناك مبالغ هائلة تدفعها الحكومة في علاج الأمراض السرطانية تصل إلى 125 مليون دينار سنويا (بحسب موازنة 2021) بالإضافة إلى ما تدفعه من علاوات تسمى علاوة نقل أو علاوة اقتناء سيارة أو علاوة مواصلات.
إدارة مالية تتطلع فقط إلى تحصيل الرسوم والجمارك والضرائب ولا تتطلع أبدا إلى مصلحة البلد على المدى البعيد، إدارة مثل هذه تعني عبقرية تحصيل نادرة لكنها قصيرة النظر ولا تعني سوى أن الحكومة غير معنية إلا بتدبير ماليتها اليومية وهذه السياسة ستجر إلى خراب اقتصادي عميق سيكون من الصعب إصلاحه.