facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




رحلة الرجل اللاهث


سعيد الصالحي
23-07-2022 03:49 PM

ها أنا أجلس عند حافة الأرض المسطحة بعد أن فرغ خزان وقودي في الوقت المناسب، وشاخصة المرور المعلقة على شجرة التفاح تعلمني بأن طريقي غير نافذ، وبعد هنيهة وبعد أن ألتقط أنفاسي الأخيرة سأقفز نحو المجهول، أو نحو اللاشيء على رأي شاعرنا محمود درويش أو ربما باتجاه كل شيء على رأي من ما زال يؤمن بالأمل، فمنذ سنوات وأنا ألهث خلف هذا الأمل، تارة أراه فتزداد خطواتي اتساعا وأرفع من سرعتي لعلي أقد قميصه من دبر قبل أن تغلق الأبواب، وتارة أخرى أستشعر بوجوده وأحس به دون أن أراه فاعتدل في خطواتي وأمشي متزنا ومتيقظا لعلي أصادفه على ناصية الشارع أو أجده متعلقا بأحد جنبات باص "إدفش وربك يسهل" كما تعلق به عشرات ومئات فيما مضى، وأحيانا كثيرة لا أعرف للأمل شكل أو رائحة أو عنوان ويصير الأمل ماء، بلا طعم كالماء الهارب من سجن صنبور الحوض، أخاف أن أشرب منه ولكن أمسح به وجهي وشعري، فهذا ماء للإستعمال الخارجي فقط، ماء يزيد الظمأ وجفاف الحلق، وبلا شكل كماء المطر الذي يتساقط سرياليا على الأسفلت فلا رصيف ينمو ولا سنبلة تخرج من بين السواد، منذ سنوات يذبحني العطش وأنا ألهث وراء الماء، ركضت خلفه حتى حافة الدنيا فكان الأمل كالعنقاء موجود فقط في خيالي وفي قصص الأطفال.

وبعد أن عدت إلى رشدي ، حاولت التغلب على ترددي مرة واحدة، فأول مرة أغادر فيها عالمي أجد نفسي في آخر الدنيا، وما زلت لا أستطيع اتخاذ أي قرار في حياتي، فكيف سأختار بين القفز الحر في الفضاء، أو أن أعود زاحفا للهث من جديد وراء الأمل ككلب بلدي إن نجا من التقريع لن ينجو من الدعس والجوع او الرجم دون ذنب.

فأنا الإنسان اللسان، لسان يتدلى بخيبة حتى يكتمل مشهد اللهث، لسان لا يصلح للحديث بقدر ما خلق للعض عليه ألما وندما وحزنا وحسرة، هذا اللسان الذي يرطبه الريق الممزوج بالهواء لأن الأسفلت لا يشارك الماء مع اللاهثين، أنا هذا الرجل اللاهث في مدار الأمل في كوكب لا يعرف سوى الآحاد، فاليوم واحد والفصل واحد والغالب واحد والمغلوب أمة واحدة أيضا.

أما الآن وقد نضجت ووصلت آخر الدنيا فلن ألهث أكثر فقد قصرت ثوبي وقطعت لساني وعصبت رأسي وتبرعت بأطرافي لطفل ما زال يتعلم المشي بعد أن تجاوز مرحلة الحبو، فهذا الطفل يستحق هذه الأطراف أكثر مني فسيحتاجها ليمشي نحو الغد، وليكتشف أن الأمل ليس مستحيلا، وأنا كذلك قد أطبقت شفتي لأخفي ما تبقى من قطعة اللحم المبقعة التي تشبه اللسان والتي أصابتها ضربة شمس منعتها من النطق إلا بواسطة كرسي مدولب، فهذا الطفل لن يحتاج لساني لأن الكلام في زمنهم لن يحتاج ألسنة بقدر احتياجه للإيمان بالمستقبل والإلحاد والكفر بكل ما مضى.

أرجو أن يتقبل الكلب البلدي اعتذاري فهي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها هذا المخلوق الوفي للتنمر، فعلى ما يبدو أن التنمر ضريبة يدفعها كل من وفى وكل من سعى وكل من وصل إلى الحافة وتردد في القفز.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :