الحيادية غطاء للانقلابيين
حمادة فراعنة
05-07-2007 03:00 AM
ثمة من يدّعي الحياد في التعامل مع الانقلاب العسكري الذي نفذته حركة حماس ضد السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة، ويدعو للحوار بين الطرفين، لأنهاء الخلاف وفتح صفحة جديدة للتعاون والتفاهم والوحدة.
والحقيقة أن الحيادية في هذا الموضوع ليست سوى تعبير عن قبول الانقلاب ودوافعه وتسهيلاً لتمرير أهدافه، وأن الحوار ما هو إلا مكافأة للانقلابيين على ما اقترفوه من جرائم بحق الشعب والقضية والسلطة وشرعيتها.
والحيادية التي يدعيها المثقفون أو من القادة السياسيين أو أنظمة حكم عربية، ما هي إلا انتهازية مفرطة مكشوفة، تعكس ضيق أفق وقصر نظر وتدنياً في رؤية المخاطر المصاحبة لهذا الانقلاب وتداعياته على مكانة القضية الفلسطينية وعلى مشروعية نضالها وعلى مدى تعاطف المجتمع الدولي مع معاناة شعبها وعدالة أهدافهم، وليس هذا وحسب بل إن هذا الانقلاب يغذي الاطراف الاصولية من جماعات الاخوان المسلمين وفروعها المنتشرة في البلدان العربية المجاورة، ويعزز من قوتها في وجه النظام العربي، ويحد من الاصلاحيات السياسية أو يؤجلها، ويجعل المواطن العربي بالتالي أسيراً للقلق أو لرغبات الحاكم المسكون بالقلق الأمني نتيجة قوة الأخوان المسلمين المحلية وارتباطاتهم الدولية.
الرئيس محمود عباس وشرعيته، كجزء من النظام الرسمي العربي أولاً، وكجزء من التيار السياسي المعتدل المناهض للتطرف والأصولية والاحتلال ثانياً، وكنتاج للتعددية الحزبية والسياسية والفكرية وصناديق الاقتراع وتداول السلطة ثالثاً، بحاجة للتعاطف والاسناد والدعم من قبل النظام العربي ومن المثقفين وقادة المجتمع المدني، لسببين: أولهما لمواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي لتحقيق الجلاء والانسحاب وتلبية حقوق الشعب الفلسطيني المتمثلة بقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية بدءاً من قرار التقسيم 181 وانتهاء بقرار خريطة الطريق 1515 مروراً بكل القرارات ذات الصلة، قرار حق عودة اللاجئين 194 وقرار الانسحاب 242 وقرار الدولتين 1397.
وثانيهما لمواجهة تطرف حركة حماس وانقلابها الدموي وضرورة انصياعها لقرارات الرئيس سواء تلك المتعلقة بإقالة حكومة هنية أو تسليم المقرات والمؤسسات المستولى عليها من قبل كتائب القسام وقوة حماس التنفيذية وتقديم الاعتذار عن الانقلاب وما سببه من أذى وإعدام ودمار للفلسطينيين وأخيراً قبول الاحتكام لصناديق الاقتراع لأجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
شرعية الرئيس الفلسطيني ونظامه ومجمل القضية الفلسطينية على كف عفريت، لأن انقلاب حماس مزق وحدة الأرض والنظام ودمر المؤسسات وأضعف شرعية السلطة ومكانتها وهز وجودها الضعيف أصلاً أمام قوة الاحتلال وتفوقه، بينما حركة حماس قوية ليس فقط بسبب قوتها البرلمانية والجماهيرية في فلسطين، بل بسبب عوامل أخرى لا تقل أهمية عن العوامل الداخلية الفلسطينية، فهي تنظيم عابر للحدود تشكل امتداداً لجماعات الأخوان المسلمين المنتشرة في 86 دولة في العالم، وهي جزء لا يتجزأ من حركة الأخوان المسلمين القوية المعارضة في بعض البلدان العربية، وهي لا تختلف من حيث المضمون والجوهر عن بعضها البعض، لأن الجذر السياسي والتنظيمي والحزبي واحد، وجميعهم في قارب واحد، يعملون في دعم بعضهم البعض كفروع لحزب واحد، يتوسلون الاستيلاء على السلطة وأنظمة الحكم بوسائل متعددة، بعضها مسلح كما حصل في غزة الآن، وبعضها بوسائل مدنية، ومنها ما تم عبر التواطؤ مع الولايات المتحدة كما حصل في العراق حيث شارك الاخوان المسلمون مع باقي القوى السياسية المعارضة للوصول إلى الحكم بإسقاط نظام حزب البعث عبر الاحتلال والجيش الاميركي، وهم يسعون لتغيير نظام البعث في سورية بالتعاون مع الاميركيين والاوروبيين عبر جبهة الخلاص برئاسة عبد الحليم خدام.
صحيح أن الأخوان المسلمين يستعملون الوسائل المدنية ويتمسكون بصناديق الاقتراع أحياناً، ولكن تجاربهم في مصر وسورية تم ايقاظها بسبب ما فعلوه في فلسطين، ففي مصر مارسوا الاغتيالات السياسية قبل ثورة 23 يوليو، وتحالفوا مع عبد الناصر لإسقاط النظام الملكي، عبر الانقلاب العسكري يوم 23/7/1952 ولمّا اختلفوا مع عبد الناصر حاولوا اغتياله في عام 1954، وفي سورية دعموا الرئيس حافظ أسد في انقلاب تشرين الثاني 1970 ولما اختلفوا معه شنوا الكفاح المسلح ومارسوا الاغتيالات عام 1976 لتبديل النظام في دمشق، وها هم في فلسطين بعد أن شاركوا في الانتخابات البلدية 2005 والبرلمانية 2006 وشكلوا حكومتين العاشرة في 28/3/2006 والحادية عشرة في 15/شباط/2007، وهذا يدل على عدم استحقاقهم للثقة وأن لا يؤمن من جانبهم بعدما فعلوه بالرئيس محمود عباس الذي سعى لاشراكهم في الانتخابات ولمّا نجحوا سلم بالنتائج ووفر لهم مظلة الشرعية لإدارة السلطة وعمل على حمايتهم وفك الحصار السياسي والمالي عن حكومتهم ومع ذلك دمروا شرعيته ومؤسساته وأجهزته الأمنية وفعلوا معه في فلسطين ما حاولوا فعله مع عبد الناصر في مصر ومع حافظ الأسد في سورية.
الحيادية مابين شرعية الرئيس عباس وما بين انقلاب حماس موقف انتهازي غير مسؤول تغذي التطرف ولا تحافظ على مواصلة خيار التعددية وتداول السلطة ولا تدفع نحو الاحتكام لصناديق الاقتراع وتكافىء الانقلاب والجرائم التي اقترفها قادة الانقلاب.