جميعنا نعشق فكرة العدالة، فهي الشعار المحبب لجميع الحركات الاجتماعية منذ فجر التاريخ، حتى ساعة تحرير هذا البيان. يهيم بها المرشحون لكل شيء ولأي شيء، لأنهم يعرفون أنها مطلب شعبي دائم. المرشح – لأي شيء-يبيع هذه الكلمة العامة، التي لا تعني شيئا في الواقع، وفي ذات الوقت تعني شيئا مختلفا لكل واحد منا.
العدالة بالنسبة للبنت القبيحة ان تكون جميلة، وللسمينة أن تكون نحيفة، وللقصيرة أن تكون طويلة، وللخادمة أن تكون ستّ البيت، ولستّ البيت أن تكون أميرة.. وهكذا على الجميع ذكورا وإناثا.
العدالة مفهوم نسبي تماما، وهي مجرد تعبير بشري، لا وجود له في الطبيعة على الإطلاق، حيث إن الطبيعة تحافظ على توازناتها بالوحشية، وليس بالعدالة، فلا يستطيع الأسد أن يكون عادلا بالنسبة للحمر الوحشية، ولا الصقر أن يكون عادلا بالنسبة للعصافير، ولا يمكن للعصفور أن يكون عادلا بالنسبة للدودة.. ولو حاول أي جنس ان يكون عادلا لانقرض سريعا، لأنه يخل بالتوازن الطبيعي للحياة.
الرأسمالية، كما الاشتراكية، كما الليبرالية، كما الفاشية، كما النازية.. الجميع طرح شعار العدالة، والجميع استغله حينما استلم السلطة ليقمع الآخرين بواسطته، وأعاده الى مستواه اللفظي، فقط لا غير، ومارس الحكم كما تتم ممارسته في الغابة تماما.
كل واحد منا، شعوبا وأفرادا، لديه مليون سبب للمناداة بالعدالة، وكل واحد منا، شعوبا وأفرادا، لديه مليون سبب لتفسير العدالة حسب مصلحته الشخصية. والعدالة، هي المجرد الوحيد الذي بقي ويبقى مجردا ومفهوما لغويا فقط لا غير، ويعني كل شيء ولا شيء في ذات الوقت، من بداية التاريخ حتى الان.
بالمناسبة، كنا صغارا نلعب لعبة نسميها «حاكم جلاد».... نسيت تفاصيلها، لكنني أعتقد أن العدالة...هي مجرد لعبة مثلها، ونحن أدواتها ووقودها.
وتلولحي يا داليه.
(الدستور)