الموناليزا ، أو الجيوكاندا من أشهر الوجوه الإنسانية في تاريخ فن الرسم ، إن لم يكن أشهرها على الإطلاق ، ومبدعها ليوناردو دافينشي يعد من العباقرة الذين خلدهم إبداعهم في تاريخ عالمنا الفني. هذه اللوحة ما زالت ، حتى الآن مثار جدل ونقاش محتدم ، فهي وجه ما زال يقرأ بطرق شتى متباينة: فالبعض يرى أن الابتسامة الذائبة في هدوء شفتيها ، ما هي إلا بسمة مكر وخديعة صفراء، فيما يصر آخرون على أنها ابتسامة براءة وبساطة ، وقد أجريت أبحاث مثيرة باستخدام الحاسوب لمعرفة هوية تلك البسمة الغامضة.
وبعض القراءات تدعي أن عيني الموناليزا ساحرتان ، ففيهما من الحنان والروعة والجمال ما يدهش كل ذي لب ، فيما آخرون لا يرون فيهما إلا سذاجة عابرة. وعلى كل حال ، فهذا العالم يحتمل ، بل ويتحمل كل اختلافاتنا وتبايناتنا: فليس من الضروري أن يتفق الجميع حتى على الجمال نفسه ، ولكنهم لربما يتفقون على أن للخير والشر وجهاً واحداً ، فقط. فكل شيء يتعلق باللحظة التي يلتقيان فيها بالكائن البشري.
هناك لوحة شهيرة أخرى لليوناردو دافينشي هي لوحة العشاء الأخير ، وتمثل السيد المسيح مع تلاميذه حول المائدة ، فعندما فكر ليوناردو في رسم هذه اللوحة اصطدم بصعوبة كبيرة وبالغة ، فعليه أن يرسم الخير من خلال صورة المسيح ، فيما الشر عليه أن يكون مشخصاً في يهوذا التلميذ ، الذي قرر أن يخون معلمه أثناء العشاء.
مضى ليوناردو يبحث عن نموذج ليكون للسيد المسيح ، ممثلاً الخير ، وذات ليلة ، وعندما كان في حفلة موسيقية لمح في وجه أحد المنشدين الصورة الكاملة المثالية للمسيح ، فدعاه إلى مرسمه ، واتخذه نوذجا.
بعد مضي ثلاث سنوات كانت لوحة العشاء الأخير ناجزة ، تقريباً ، إلا أن ليوناردو لم يجد وجهاً مناسباً يمثل نموذجاً ليهوذا الشر والخيانة. ولأن الإلحاح كان يطارده ليكمل لوحته ، فقد أتعبه البحث المضني ، حتى اهتدى ، صدفة ، إلى شاب بدا شيخاً قبل أوانه ، متعتعاً من الخمر ، مرمياً في حفرة على قارعة الطريق ، فطلب منه أن يرافقه إلى مرسمه ليتخذه نموذجاً ، فهذا الوجه القميء القبيح ينفع ليكون موديلاً ليهوذا الإسخريوطي.
استطاع الفنان أن ينجز اللوحة بعد أن نسخ سمات الكفر والخطيئة والأنانية والخيانة عن صفحة هذا الوجه ، لكن وما أن تمت اللوحة حتى تفاجأ الشاب ، الذي اتخذه موديلاً ، بأنه قد رأى هذه اللوحة من قبل ، فسأله ليوناردو: أين رايتها ، وأنا لم أنجزها بعد؟ فقال الشاب: ألم تذكرني يا سيدي؟ فأنت - قبل ثلاث سنوات - اتخذتني موديلاً لصورة السيد المسيح ، فأنا هو ذلك الشاب الذي كان يعمل منشداً في فرقة موسيقية ، وقد طلبت مني أن أكون موديلاً للمسيح ، وها أنت تتخذني ، هذه المرة ، موديلاً ، لكن ليهوذا،.
فهل ، حقاً ، يمتلك البشر هذه الازدواجية الفريدة في تمثيل الخير والشر؟ أم إن ظروف الدهر ، وحدها ، هي التي تمنحنا هذه الفرادة الغريبة في جمع النقيضين؟.
ramzi279@hotmail.com
الدستور