هناك مثل أو تعبير إنجليزي مشهور يقول: (don't kill the messenger)، وترجمته الحرفية "لا تقتل الرسول"، أي حامل أو ناقل الرسالة.
في حالة تصاميم بوسترات الدورة الحالية لمهرجان جرش للثقافة والفنون، والتي أحدثت لغطا كبيرا عبر الفضاء التواصلي، ينبغي تحوير المثل ليصبح: "لا تقتلوا المصمم"!
مصمم بوسترات مهرجان جرش أعطى ما عنده، هذا مستواه في التصميم، سواء مستواه "الحقيقي"، أو المستوى الذي هو مستعد لإظهاره؛ لأنّه في كثير من الحالات لا يقوم مزوّدو الخدمة باستنفاد جهدهم وطاقتهم وموهبتهم في إعطاء أفضل ما عندهم، ويكتفون بإعطاء "الزبون" الحدّ الأدنى من الجودة الذي يمكن أن ينطلي عليه، أو الذي هو على استعداد للقبول به واستلامه.
وفي أحيان كثيرة لا يكون التصميم النهائي فعليّا حصيلة رؤية المصمم الإبداعية، وإنّما حصيلة توجيهات الزبون المباشرة وطلباته الخاصة، وكثرة الطبّاخين الذين يتسابقون للإدلاء بدلوهم وإسباغ بركاتهم وإبداء ملاحظاتهم ومقترحاتهم الإبداعية والجمالية، خاصة أمام مدير أو مسؤول!
الخلاصة هنا أنّ العبرة ليست في المصمم، بل في "الزبون"، أي في القائمين على مهرجان جرش، أو وزارة الثقافة، أو أيّا كانت الجهة المعنية صاحبة الصلاحية.
هذه التصاميم لم تصمم نفسها بنفسها، ولم تنشر نفسها بنفسها!
هناك شخص ما صاحب قرار وصلاحية هو الذي وافق على هذه التصاميم، واعتمدها بشكلها النهائي، وسمح بطباعتها وتداولا و/أو نشرها على الملأ بصورتها الحالية.
هذا الشخص هو "المسؤول" الحقيقي عن هذه التصاميم، وهو الذي يُفترض أن يتحمّل أي تبعات تتعلّق بهذه التصاميم ضعيفة كانت أم قوية.
كل "المسخرة" التي اجتاحت الفضاء التواصلي، وهناك شعرة رفيعة بين السخرية والمسخرة، كانت موجّهة لشخص المصمم، وهذه المسخرة للأسف تندرج تحت باب الإساءة والتطاول، وربما أكثر من ذلك من وجهة نظر قانونية.
في حين أن المسؤول الحقيقي لم ينله شيء نظير ما أجراه بحكم عمله ومنصبه وصلاحياته، مع أنّه نظريّا يتحمّل الوزر كاملا إزاء المُنتج النهائي الذي أجمعت غالبية الآراء على أنّه ضعيف ولا يرقى لمستوى الحدث.
المسخرة التي اجتاحت الفضاء التواصلي تشي بثلاثة مظاهر مؤسفة:
أولا، هناك خيار وفقّوس لدى الغالبية في توجيه النقد واللوم، سواء من حيث الأشخاص، أو من حيث انتقاء الموضوع.
- الغالبية يستقوون على "الضعيف"، ويصمتون أو يتحوّلون إلى "موضوعيين مهذّبين" أمام القوي.
- شهوة الغالبية للظفر بـ "خمس دقائق من الشهرة" عبر الفضاء التواصلي من خلال الاستظراف أو الغرائبية أو المزاودة أو أكثر من ذلك.. تتفوّق على وازعهم الأخلاقي، وحسّ العدالة والإنصاف لديهم!
نعم، تصاميم مهرجان جرش ضعيفة، ولكن الحس الأخلاقي لمستخدمي الفضاء التواصلي ومشاهيره و"مؤثريه" أضعف، ومحاسبة المسؤولين الحقيقيين عن القرارات الذين يقبعون دائما في الظل أو يختبئون وراء أكباش فداء توضع في الواجهة.. أضعف وأضعف وأضعف!