كنا أيام زمان؛ يعني الزمان ليس بالبعيد، نزور بعضنا البعض، ونجلس في بيوت أقاربنا وجيراننا وأصدقائنا، ونسهر في ليالي الصيف والشتاء نتحدث ونناقش أمورنا وقضايانا، ونساعد بعضنا البعض في أية مشكلة تواجه أحد ما منا. نشرب الشاي والقهوة ونضحك، ونتسلى بألعاب نحبها كطاولة الزهر والورق وغيرها.
كانت سهراتنا مميزة وجميلة، يتعلم الأطفال من أحاديثنا العبر والمواعظ، وكيفية إيجاد الحلول لأية مشكلة يتعرض لها أحدنا، يتفاعلون معنا بمشاعرهم وأحاسيسهم، يفرحون بفرحنا ويتضايقون عندما نحزن، أو عند شعورنا بالغضب من أي موقف سيئ يحدث معنا.
تلك أيام مضت. أحبابنا فيها هم الأصدقاء والأقارب والجيران والأبناء، هم ما زالوا معنا وبيننا، ولكن ما حدث هو أن أيام زمان التي ليست بالبعيدة، لم يكن فيها دخلاء، بل كانت سهراتنا تخلو من عناصر غريبة تلهينا عن بعضنا، حتى ألعابنا كانت مرغوبة ومقبولة من الجميع.
سهرات هذه الأيام فيها دخيل يمنعنا من الحديث، ومن اللعب ومن تعليم أبنائنا القيم والعبر والمواعظ، إنه ( جهاز الهاتف الجوال ). ضيف قمنا بدعوته إلى بيوتنا ليجلس معنا ليل نهار، في المنزل ومكان العمل وفي الطريق، حتى في الأماكن التي نذهب إليها للترفيه، أصبحنا نجلس مع بعضنا البعض، لا نتكلم ولا نناقش حاجاتنا وقضايانا، نلعب بالهاتف بدل ألعابنا القديمة، وصرنا نستقي معلوماتنا منه بدلا من عقول وذكريات كبارنا، فقدنا الكبير الذي كان هو المعلم لنا ولأولادنا، ببركته وهيبته ونصائحه وطيبته ورُشده.
أصبح الكبير جهازا يتحكم فينا، وأفقدنا المشاعر والإحساس ببعضنا، حتى تواصلنا مع بعضنا صار بواسطته وهذا التواصل يخلو من مشاعر المحبة الحقيقية.
وهذا ليس ذنبه ... نحن من دعاه للجلوس معنا ومرافقتنا أينما كنا، ونحن الذين أخطأنا بالتعامل معه، ونحن من سمحنا له بالسيطرة علينا، حتى صار الحبيب الأول والأخير.
مرحبا بك أيها الضيف الذي لولا سوء استخدامنا لك، وتعاملنا معك بطرق غير صحيحة، لما صرت عدونا من دون أن نعلم.
Email: ahedpsut@gmail.com