لا تفهم هذه الفوضى الخلاقة، التي نلمسها أحيانا، في قضايا كثيرة، وهي فوضى تعبر عن سوء التنسيق، وتضارب الاجتهادات، خصوصا، في ملفات حساسة تتعلق بأزمات مختلفة.
يخرج أحد أعضاء اللجنة الوطنية للأوبئة، قبل يومين، ويعلن دخول المملكة موجة جديدة وخامسة، من جائحة فيروس كورونا حسب المعطيات النظرية والوبائية من نوع ba5 متفرع من متحور أوميكرون فيما تخرج وزارة الصحة لترد في اليوم ذاته بكلام ينفي دخول الأردن موجة خامسة، من خلال معطيات وزارة الصحة وما تتبعه وما يصدر عن منظمة الصحة العالمية حيث لا توجد أي علامة لوجود موجة خامسة، وهكذا نسمع رأيين متضاربين في يوم واحد.
حتى مساء الأربعاء الماضي، بلغ إجمالي إصابات كورونا بالأردن مليوناً و700 ألف و526 إصابة، منها مليون و685 ألف حالة تعاف، و 14 ألفا و68 وفاة، والواضح أن هناك تغيرا كليا في التعامل مع ملف كورونا، على المستوى الرسمي والشعبي، بشكل واضح، والأدلة على ذلك كثيرة.
ليس أدل على ذلك من أن الغالبية العظمى لا تستعمل الكمامات، بل ويتندر الناس على من يرونه يستعملها، باعتبار أن الجائحة مرت، أو أنها مجرد وهم كبير، تم تسويقه في الدول وبين الشعوب، من أجل الحصول على المطاعيم، التي وفرت للشركات المنتجة مليارات الدولارات من الأرباح، وهذا يفسر أيضا أن هناك توقفا شبه كامل عن الحصول على المطاعيم سواء لأول مرة، أو للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة، وسط تراخ حكومي عن الحض على الحصول على المطاعيم.
ربما هناك مراهنة على أمرين، أولهما تراجع حدة الفيروس ذاته، ووجود نسخ ضعيفة جدا منه، لا تهدد الحياة، مقارنة ببدايات الوباء، بحيث لم يعد خطرا قاتلا، يؤدي الى رحيل الملايين في العالم كما في بدايات الجائحة، وثانيهما المراهنة على المناعة المجتمعية، ما بين الذين أصيبوا وعرفوا عن إصاباتهم، وأولئك الذين أصيبوا بالفيروس وتجاهلوا الأمر، وهم كثر بالمناسبة.
كل دول العالم باتت تتعامل مع الوباء بطرق مختلفة بعيدا عن اجراءات الحظر الجزئي أو الكلي، التي ربما حمت المجتمعات، لكنها تركت أثرا سلبيا على الاقتصادات، وحياة الناس، وهذا يعني أن احتمال العودة إلى أي إجراءات احترازية محكوم بالفشل مسبقا، لأن التراكم في الإجراءات أمر مهم، وهو أمر توقف فعليا، ولا يمكن إعادة الناس إلى المربع الأول، بعد مرور كل هذا الوقت.
هذا يفسر تصريحات وزير الصحة اللاحقة التي استبعد فيها عودة الإغلاقات في الأردن بسبب انتشار إصابات كورونا خلال الفترة القليلة الماضية، مشيرا إلى أن إصابات كورونا عالمياً ارتفعت مؤخراً 30 %، مضيفاً أن الأردن يسجل في الأسبوع معدل 2000 إصابة، ومؤكدا أهمية أخذ الجرعة الثالثة المعززة من مطعوم كورونا، لمن لم يتلقاها، بالإضافة إلى ارتداء الكمامات.
الذي يراد قوله هنا يتعلق بالفوضى الخلاقة في الرسائل التي يتم ايصالها الى المجتمع، وهي رسائل مشوشة ومتناقضة، فتارة يقال إننا دخلنا موجة خامسة، وتارة يتم نفي الأمر، وتارة يتم فرض الكمامات، وتارة يتم ترك الأمر لخيارات الأشخاص، وأحيانا يتم الإلماح إلى تفشي الكورونا بشكل مرتفع في العالم يصل إلى ثلاثين بالمائة، وتارة يقال إن الوضع في الأردن تحت السيطرة.
خلاصة الكلام، هي ذات الخلاصة التي قيلت وسط الأزمة، وهي ضرورة وقف التصريحات، من كل هذه الأطراف، وحصرها بجهة واحدة مخولة فقط، والتركيز في مضمون الرسائل بدلا من التشويش والتناقض والتضارب، الذي يؤدي إلى التلاعب بأعصاب الناس، وفقدان ثقتهم، خصوصا، أن فقدان الثقة سيؤدي إلى نتائج سيئة في حال اضطرت الجهات المختصة أن تتخذ أي إجراءات احترازية، في أي ظرف قد يستجد، لا سمح لله.
يبقى السؤال: لماذا لا تنسقون مع بعضكم البعض، قبل هذه التصريحات، التي تتنزل على أكتافنا، وتتقافز في وجوهنا ليل نهار أيها السادة الكرام؟
الغد