جاءت مخرجات قمة جدة في المملكة العربية السعودية لتسقط كل الشكوك والاتهامات التي كان يثيرها البعض في المنطقةحول هذه القمة، ولتؤكد أن العرب دعاة سلام وحوار، ولم يكونوا يومًا دعاة حرب رغم أنهم قادرون عليها إلا إذا اعتدي عليهم، ولم يكن أي وجود بما أسماه البعض ناتو عربي يضم إسرائيل ضد أطراف في المنطقة، ولم تفتح أبواب التطبيع المجاني كما كان يردد مع إسرائيل بل على العكس، أكدت القيادات العربية المشاركة في القمة أن القضية الفلسطينية لا زالت في أعلى سلم أولويات العرب، وأن الدولة الفلسطينية غاية عربية لا حياد عنها رغم ما نراه أحيانًا من تراجعات هنا أو هناك نتيجة ظروف معينة، وأنه لا تراجع عن حق الشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته وإن إسرائيل لن تنعم بالأمن والاندماج في المنطقة التي ترغب بهما دون إعادة الحقوق الفلسطينية. وهنا يبرز دور الأردن التاريخي والثابت الذي جعل القضية الفلسطينية على كل الطاولات وفي كل المحافل.. الملف الذي يحمله الملك عبد الله الثاني لكل أنحاء العالم.
إن ما يقوم به الملك لعب دورًا أساسيًا في إبقاء القضية الفلسطينية حاضرة مهما زاحمتها الملفات، عربية كانت أو دولية، ورسالة جدة بخصوص فلسطين لمن يهمه الأمر في كل العالم كانت واضحة السطور والمعاني، فلا مجال لغير الصمود العربي في هذه القضية حتى تحل بشكل عادل وشامل يحفظ الحقوق ويعيدها لأصحابها، وحتى تغلق الأبواب تمامًا أمام كل من يحاول استغلال فلسطين لتنفيذ أجنداته المشبوهة التي تسعى إلى زعزعة الأمن وتهديد الاقتصاد، فلا أمن ولا استقرار ولا تنمية ما دامت فلسطين محتلة، وشعبها فاقد لحقوقه، وهذا يتطلب مزيدا من رص الصف العربي بهذا الاتجاه للضغط على القوى المؤثرة في القرار الدولي لتكون عادلة في نظرتها وفعلها ومواقفها باتجاه القضية الفلسطينية.
الرسالة الثانية كانت لإيران، حيث وجه لها المؤتمرون في جدة دعوة مفتوحة أن تعمل صادقة لتكون عنوانًا فاعلًا إيجابيًا في المنطقة، متخلية عن أحلام ومشاريع التفوق العسكري على جيرانها، والكف عن التدخل في شؤون الدولة العربية، وهذه فرصة تاريخية لإيران لأن تعيد ترتيب أوراقها من جديد وتفتح حوارًا صادقًا مع العرب، وخصوصا دول الخليج، للوصول إلى وضع جديد، يدفع الأوضاع في المنطقة للأفضل بعيدًا عن تسابق التسلح وتهديد الآخرين.
لا شك أن الرئيس الأمريكي جاء إلى المنطقة من أجل مصلحة بلاده في الطاقة، وإعادة ترتيب أوراق البيت الأبيض في المنطقة، ثم لمصلحة إسرائيل في الأمن والاقتصاد، ولكن الأرضية لم تكن مهيئة له لتنفيذ ما يريد كما يريد، فقد وجد قيادات تحمل مشروعًا قوميًا له اشتراطاته التي لن يتم التنازل عنها، وما سمعه في جدة كلامًا مختلفًا وشروطًا مختلفة من أجل مصلحة الجميع وليس من أجل أطراف بعينها.
شكلت قمة جدة بداية لمرحلة جديدة للتعامل في المنطقة سياسيًا واقتصاديا، فهل تفهم إسرائيل الرسالة بأنه لا يمكن لها أن تستمر دون استرداد الفلسطينيين حقوقهم في أرضهم ومقدساتهم واقتصادهم، حتى وإن حاولت أحيانًا أن تقفز من فوق هذا السور؟ وهل تعي إيران أنه لا يمكن لها أن تعيش في هذه المنطقة بسلام واستقرار وهي تهدد جيرانها سواء بتصدير ثورتها أو محاولاتها امتلاك سلاح تهدد به من حولها لتنفيذ مشاريعها على الجغرافية العربية؟ فهذا لن يحدث حتى وإن كانت أصابعها موجودة الآن في سوريا والعراق واليمن ولبنان، فهذا وضع غير طبيعي ومؤقت لا يمكن له الدوام، لأنه ضد العقل وضد مجرى التاريخ في هذه المنطقة.
قمة جدة وجهت رسائل كثيرة لمن يهمهم الأمر، لكن الرسالة الأهم أن فلسطين ستظل حاضرة مهما اختلفت الاجندات وتعددت الملفات..
ترى ماذا يقول الآن الذين كتبوا وهللوا لخرافة الناتو العربي بمشاركة اسرائيل بعد أن رأوا في جدة وسمعوا كل ما ينسف خرافاتهم وتحليلاتهم ؟!