ما يلفت النظر في زيارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى المنطقة، انها تأتي في ظل ظروف دولية صعبة ومعقدة، اجبرته على الاستدارة الى المنطقة والتفكير بزيارتها بعد ان كانت خارج اهتماماته واولوياته، التي تحولت نحو شرق اسيا والمحيط الهادي لمواجهة النفوذ الروسي والصيني المتصاعد هناك. فمع تزايد التأثيرات والتداعيات السلبية لفيروس كورونا، والحرب الروسية والاوكرانية التي رافقتها حملة مقاطعة وعقوبات اقتصادية غربية تحديدا على روسيا، ارتدت باثارها السلبية على العالم ودول اوروبا على شكل ازمات غذائية ونفطية وارتفاع نسب التضخم، فقد برزت الحاجة الى البحث عن بدائل للنفط والغاز الروسيين لتزويد دول اوروبا بها كونها الاكثر تضررا من الحصار الاقتصادي المفروض على روسيا، والذي كشف الحاجة الاميركية لدول المنطقة.
وبدا ان هذه المهمة في مقدمة اجندات زيارة بايدن لها خاصة القمة التي ستعقد في السعودية وتضم قادة دول مجلس التعاون الخليجي والاردن ومصر والعراق، تأكيدا على اهمية دول الخليج في احداث التوازنات المطلوبة في سوق الطاقة العالمي واستقراره وكبح جماح الاسعار، وذلك بعد الجفاء والفتور الذي شهدته العلاقات الاميركية العربية منذ تولي بايدن منصبه. مما يضع الدول العربية امام فرصة تاريخية مطالبة باستثمارها وتوظيفها من خلال الدفع بالقضايا والملفات التي تهمها على اجندات هذه القمة المنتظرة كحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وفقا لحل الدولتين والقرارات الدولية، وحث الادارة الاميركية على بذل جهود جدية لردع تهديدات ايران ومواجهة خطر برنامجها النووي الذي يتهدد المنطقة والعالم، وتذكيرها بتخليها عن تحالفاتها التقليدية، وعدم التزامها بامن شركائها العرب الذين تراجعت ثقتهم بها، واستعدادهم لتنوع علاقاتهم والدخول في تحالفات جديدة مع اطراف دولية اخرى كروسيا والصين حفاظا على امنهم ومصالحهم، خاصة مع وجود مؤشرات قد تدفع نحو ذلك بعد ان رفضت كل من السعودية والامارات مطالب اميركية برفع انتاجهما النفطي لتعويض حصة روسيا في سوق الطاقة العالمي في رسالة واضحة عن استعداد الدول الخليجية للذهاب بعيدا في علاقاتها الدولية تماهيا مع مصالحها الاستراتيجية وامنها القومي.
دون ان نغفل بعض المهام والاهداف الاخرى التي يسعى الرئيس بايدن الى تحقيقها في زيارته كالتزامه بامن اسرائيل وتفوقها ومحاولته دمجها في الاقليم، الامر الذي اثار الحديث عن انشاء قوة عسكرية مشتركة ومنظومة دفاعات جوية اقليمية او احتمالية تشكيل تحالفات اقليمية، كالتحالف الشرق اوسطي ضد ايران، بحيث يضم في عضويته الكيان الاسرائيلي في ظل المحاولات الاميركية والاسرائيلية الرامية الى تغيير واقع المنطقة ومكوناتها وتحالفاتها وبعثرة اوراقها واعادة ترتيب اولوياتها من خلال توظيف ورقة ايران وتحويلها الى بعبع يخيف بعض دول المنطقة، بعد تمددها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وتسويقها على انها العدو والخطر الحقيقي الذي يتهدد بعض الاقطار العربية وليست اسرائيل.
ومن المهام الاخرى التي يتوقع ان تشملها الزيارة، محاولة الرئيس بايدن الاحتفاظ بالاغلبية التي يحظى بها حزبه في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وسعيه للعودة الى المنطقة لاستعادة نفوذ بلاده ومواجهة تنامي النفوذ الروسي والصيني فيها، وتأمين الممرات المائية في الشرق الاوسط لاهميتها للتجارة الدولية وامدادات الطاقة.
الامر الذي يتطلب من الدول العربية التنسيق والتشاور لتعزيز العمل العربي المشترك في ظل التطورات والتحديات الاقليمية والدولية التي تواجهها لوضع رؤية جديدة اساسها الاعتماد على الذات والحرص على معالجة ازماتها ومشاكلها داخل البيت العربي وبأخذ زمام المبادرة لوضع حلول ذاتية لها ، بحيث ترتقي الى المستوى الذي يجعل منها قوة اقليمية قادرة على ايجاد حالة من التوازن مع قوى اقليمية اخرى كاسرائيل وايران وتركيا ، تجعلها قادرة على اثبات حضورها وتأثيرها في المشهدين الاقليمي والدولي . وان تستغل مسعى الولايات المتحدة لتخفيف التوتر والخلافات بين حلفائها في تحميل المسؤولية عن ذلك للاعتداءات والانتهاكات والاجراءات الاسرائيلية الاحادية في القدس والاراضي الفلسطينية المحتلة ، وانه لا بد من حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بوصفه جوهر الصراع في المنطقة ، وذلك قبل التفكير بتشكيل تحالف او منظومة دفاعات جوية اقليمية ضد ايران او غيرها .