إن السياسة التي لا تقوم على الواقعية والعقلانية والمصالح المشتركة، سياسة لا تعرف الحكمة ولا يمكن لها أن تتكيف مع مستجدات الحاضر، وهذا عنوان لزيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة واللقاءات الثنائية والقمة الأمريكية الخليجية العربية، ولعل قضية المصالح في المنطقة على رأس أولويات الزيارة التي لن يكون سقف التوقعات لها مرتفعا، خصوصا مع غياب جدول أعمال واضح وتضارب التصريحات حتى من واشنطن نفسها.
المملكة العربية السعودية تلعب الدور الإقليمي المحوري في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، وهي تستقبل الرئيس بايدن القادم إلى المنطقة في توقيت حرج من تصاعد التهديدات والتحديات المتعلقة بأمن المنطقة وأمن التزود بالطاقة والغذاء معا بعد جائحتين كبيرتين اجتاحا العالم، الأولى تمثلت بوباء كورونا، والثانية ما زالت تتفاعل في الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى وباء الشر في شرق الخليج العربي وامتداده إلى دول العراق وسوريا ولبنان واليمن.
سيسمع بايدن في اللقاءات التي سيحضر مع الجانب السعودي والجانب العربي عن الواقع والتهديدات الأمنية التي تنتهجها السياسة الإيرانية في المنطقة والسعي نحو إنجاز هلال شيعي يبدأ من اليمن وينتهي في سوريا ولبنان، والتهديد الذي يشكله على أمن التزود بالطاقة من خلال تهديد المصالح في مياه الخليج العربي ومضيقي باب المندب وهرمز وصولا إلى واجهة سوريا على البحر الأبيض المتوسط مباشرة عبر وكلاءه من المليشيات والعصابات الإرهابية المنتشرة في اليمن وسوريا ولبنان.
ولابد أن يستمع بايدن حول الأزمات الاقتصادية التي خلفتها كورونا وفرضتها الحرب الروسية الأوكرانية، وحجم التضخم الذي يحتاج إلى جهود عالمية للسيطرة عليه، والقلق المتزايد الذي قد يفجر الأوضاع الداخلية لبعض دول المنطقة، خصوصا وأن التغييرات المناخية فرضت واقعا مائيا ينذر بصراعات إقليمية في حوض نهر النيل، والدجلة والفرات وغيرها.
المسألة السورية بعد كل هذه السنوات ملف حاضر بلا تسوية، وهناك انقلاب على اتفاقيات أبرمت للتنسيق الأمني وحفظ حقوق الجوار، ودعم لعصابات الشر والإرهاب وتهريب المخدرات من قبل قوات النظام السوري، وهذا الملف مقلق مع الأخذ بعين الاعتبار التماس المباشر عسكريا مع إسرائيل التي تشن غارات على الأراضي السورية واللبنانية تحت ذريعة حماية آمنها، والأخيرة ما تزال تمارس كل أشكال الإرهاب والتهويد للأراضي الفلسطينية وانقطاع مفاوضات السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
قد تبدو الملفات تقليدية في عرضها، لكن الرهان اليوم على خطاب يرهن العلاقة السياسية بالاقتصادية والأمنية، وأن الممارسات الإسرائيلية والإيرانية والروسية تحتاج إلى مواقف موحدة عنوانها الأول الشراكة من أجل الشرعية الدولية في حفظ حقوق الجوار وأمن الإقليم والعالم، والعودة إلى شريعة الأمم المتحدة والمجلس الدولي، وفي العناوين الفرعية أن الموقع الاقتصادي بإنتاج احتياطات الطاقة والموقع الجيو - سياسي للمنطقة يتطلبان تعاونا في قضايا احتياطات وأسعار النفط، ومتغيرات المناخ وغيرها.