الحبر العربي المسال حزناً على القدس ، كان بامكانه ان يغسلها من الاحتلال ، لو سال دماً ، والعرب كظاهرة صوتية تاريخية ، يعتقدون ان ردها سيكون بالكلام والكلام فقط.
شعر ونثر ومقالات ، خطب جمعة ومسيرات ومظاهرات وبيانات حزبية ، واجيال عربية لا تعرف الفرق في الصورة والمعنى ، بين المسجد الاقصى ومسجد قبة الصخرة ، وكأنها ليست قبلة الرسول الاولى.
قضية فلسطين ، تم تصغيرها وترميزها بالمسجد الاقصى ، عن سوء نية ، او حسن نية ، لاننا تناسينا عكا ويافا وحيفا والناصرة وبئر السبع وغزة ورام الله ونابلس والخليل.
اعتبرنا الجهاد اللغوي كذات حالتي في مقالات كثيرة ، هو بالتذكير فقط بالاقصى ، ترميزاً ، من جهة ، ودلالة على مكانة المسجد. الاقصى بدون الناس يتحول الى مكان اثري مثلما كان اسطبلا للخيل ذات زمن.
لنتأمل واقع القدس: جدار عازل يفصلها عن الضفة ، مخدرات تغزو الشباب والبيوت ، ضرائب تقتل الناس ، عمال القدس باتوا عبيداً في مستوطنات اليهود ، يقومون بدق حجرها ، وحفر اساساتها.
تسهيلات في التأشيرات ، فلم تبق عائلات مسيحية فلسطينية عربية في القدس ، ولم يبق شاب مسلم فلسطيني عربي الا وهاجر اذا نال التأشيرة ، او عقد العمل.
الضمان الاجتماعي الاسرائيلي يتولى بقية المهمة في جانبها المغري: معونات مالية شهرية لعائلات كثيرة من اجل اغراقها بالمال وربطها اقتصادياً باسرائيل ، للكبار والمواليد ، وتأمين صحي للمرضى المقدسيين وجوازات سفر اسرائيلية يتم منحها للمقدسيين.
اختراقات امنية ايضاً للضعاف ، وللراغبين ، ومن اوقعتهم الايام ، في شباك العمالة لجهاز الموساد ، ولان الضحية وحيدة يسهل افتراسها ، وفي حالات اخرى بطالة وديون.
من هناك نصل الى سرقة الاراضي واملااك الغائبين ، سرقة الاراضي وتحويلها الى حدائق وسرقة اراض ومصادرتها ، شراء اراض من ناحية اخرى ، من عائلات غير مقدسية اشترت الاراضي من مقدسيين ، وفي حالات اخرى وكالات مزورة.
هدم البيوت ، ايضاً ، والاف البيوت يأتيها الدور في الهدم بسبب الغرامات ، احياء بأكملها ستزال من سلوان الى الشيخ جراح ، وحتى مقابر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تم جرفها ونبشها ، امام امة تمضي وقتها في الاختلاف حول فوائد المسواك.
سجون منصوبة ومفتوحة ، وملاحقات واعتقالات ، جرحى وشهداء واسرى ، لمن لا يقبل ان يحترق في فراشه كشواء العيد.
ترميز قضية فلسطين والقدس بالاقصى ، ترميز حميد حين لا تغيب الحقائق الاخرى ولا يتم تغييبها ، لان شطب تسعين بالمائة من قضية الشعب وارضه وتاريخه ، وحصر القصة بالاقصى ، قد يكون مدروساً ، حتى يتم تنفيذ كل المخطط الاسود.
الاقصى العزيز والغالي بدون اهله والناس وقضاياهم ، سيتحول الى قطعة اثرية ، فقيمة الاقصى بالناس ، واذا كان الاقصى درة فلسطين ، فهو لا يأتي معزولا عن قضية الناس ايضاً ، ومضاعفة ثواب الصلاة يكون بالناس حين يصلون فيه فقط.
عرب الالفية الثالثة الذين يتلقون ثقافتهم من زهرة القبيحة وازواجها الخمسة ، ومن ملاعب كرة القدم ، ومن جدل "ارضاع الكبير" لا يمكن ان يحرروا الاقصى ولا القدس ولا فلسطين ، وهم في هذه الحالة مجرد مؤخرات ثقيلة.
ملف القدس خطير جداً. والاقصى من جهة ثانية مهّدد بالهدم وبالخراب خصوصا خلال الفترة المقبلة ، لكن كل هذا التهديد يأتي مع تهديد آخر يتعلق بالسكان والناس ، الذين تم سبيهم وقتلهم وتخريب بيوتهم واراضيهم واقتصادهم وتهجيرهم ، وتركهم للوحش فرادى.
الاقصى يقول لكم انه في خطر ويقول ايضا للعرب ان مصيبته اولا فيما يتعرض له الناس من حوله وحواليه ، من تدمير مبرمج وممنهج ، دون ان تتم مساعدة الناس ، بأي شكل.
.. وكأني أرى من خذلوا اهل فلسطين ، هم ذاتهم الذين يخذلون الاقصى.
mtair@addustour.com.jo
الدستور