لننتبه هنا جيدا الى هذه المعادلة ( الاردن لم يصنع أي من الأزمات الاقليمية لكنه بالتاكيد دفع ثمنها ) .. هذه المعادلة نفسها هي التي تصمم خارطة المخاطر لدى المفكر الاستراتيجي الاردني وهي نفسها لا غيرها تعتبر العمود الفقري التي تقوم عليها السياسة الخارجية الاردنية بكل انعكاساتها غير المعزولة عن وضعه الداخلي لذا كانت سياستنا الخارجية تتسم بموضوعية شديدة الحساسية لواقعية المشهد وتعقيداته بعيدا عما كان مثلا في يوم من الايام يصنف بأنه مرحلة شعارات حالمة او وهم التمدد والحسم العسكري لدى البعض في اقليم هو الاكثر تغيرا في الخارطة السياسية العالمية خلال القرن المنصرم ..
تلك الموضوعية الواقعية التي فرضتها معادلات الجيوسياسي يصر البعض على التعاطي معها وفقا لخرافات الدولة الوظيفية و/او العازلة وبمقابل ذلك هنالك خرافات اخرى تفترض فينا التحالف العسكري مع اسرائيل في حين لا يستطيع ان يقدم اي من اصحاب الخرافات ازاء هذه الفرضيات حقيقة خوضنا 186 معركة مع اسرائيل وأننا فقدنا ثلث جيشنا كشهداء في حرب 1948 وأننا كنا الخاسر الاكبر في حرب 1967 والتي انتجت اليوم ما يسمى بالوضع القائم في القدس وحالة احتلال لا يعترف بها العالم ، نتيجة صمودنا رغم ما فقدناه في حينه هو اعقد صراع وجودي في العالم كله لا يمكن التكهن بنتائجه ولا يزال الاردن في حالة اشتباك يومي بما يشبه ( الحرب الباردة ) في الملف الفلسطيني رغم توقيع معاهدة سلام ولن يكتب للاقليم الاستقرار طالما هنالك احتلال ولاجئين ومقدسات دينية موضع تهديد عقائدي ..
الاردن هو الاردن .. في لحظات كتابة هذا المقال فهنالك وفد اردني في واشنطن يفاوض على تفاهمات الدعم الاقتصادي الامريكي لسبع سنوات وبنفس الوقت هنالك وفد اخر في بغداد يفاوض الجانب الايراني على حدود الاشتباك وفقا لخارطة مخاطرنا نحن لا مخاطر غيرنا والتي نقرؤها بعناية الحريص في العمق الاستراتيجي الاردني شمالا سوريا وشرقا عراقيا لنصل الى تفاهمات حول دور انساق ما دون الدولة من تنظيمات مسلحة وتجارة الجريمة المنظمة الفاعلة في الاقليم ولزوم تفكيكها وفحص مدى امكانية دعم الاردن لواقعية السيادة وحرمة انتهاكها والوحدة الترابية لعمقنا الاستراتيجي في الشام والرافدين وبهذا المعنى لا غيره ( خارطة مخاطرنا ) سنذهب الى الرياض لفحص وتحديد اتجاهات العمل للمرحلة القادمة ..
دعونا من اي تفسيرات وتمريرات البروباغندا والتبرير السياسي الداخلي الامريكي للزيارة .. بايدن يحضر اليوم الى المنطقة لهدف وحيد هو ( النفط ) ولهذا النفط ثمن لسنا في الاردن على استعداد ان ندفعه ( فمصالحنا اولا ) ولن نكون في جيب احد فحتى زيارة الرئيس الامريكي ساهم الاردن في انضاجها وحث العم سام على ضرورة تغيير سياسة تعاطي البيت الابيض مع الرياض وابو ظبي ومن يعتقد انه يمكن تجاوز الاردن في اي ترتيبات اقليمية او فرض املاءات هيمنة فعليه ان يقرأ بعمق المفاوضات اليمنية التي تجري في عمان ومساهمتنا في تثبيت الهدنة بين اطراف الصراع وامتداداته الاقليمية وتأثير ذلك في أمن الطاقة العالمي وعليه ان يقرأ اشتباكنا اليومي وتأثيره وعمقه في الملف الفلسطيني وليقرأ ايضا اننا نقف على خط التماس الايراني أما القرار الاردني فهو واضح جدا فأي تحالف مستحدث في الاقليم يتوجب ان يكون واضح الاهداف والاطراف أما ايران لا يتم التعاطي معها كعدو بل وفقا لقواعد العمل السياسي والدبلوماسي والقانون الدولي ومن لا يرى معنى ذلك فهو أعمى .. باختصار لسنا معنيين بأي ترتيبات اقليمية لا تخدم مصالحنا وما لا يخدم مصالحنا لن يمر على حساب الاردن ولو اضطررنا لاعادة فحص وتقييم وانتاج خارطة المخاطر ..