"المثقفين العلمويين" وصورة "جيمس ويب"
كمال ميرزا
12-07-2022 01:17 PM
منذ الأمس، وهناك فئة من "المثقفين العلمويين"، والذين هم اسوأ "عرطا" وانتشاءً بأنفسهم من المثقفين بالمعنى الأدبي والسياسي للكلمة.. منذ الأمس وهم "صاملين مخنا" بنبأ قيام وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) بنشر أول صورة من الصور التي التقطها تليسكوب الفضاء (جيمس ويب).
الصورة الملتقطة بالأشعة تحت الحمراء تُظهر ما يفترض أنّها "أعمق" صورة نمتلكها لكوننا المرئي.
هل يمكن أن يشرح لنا مُحبّ للعلم ومفتون بحتميته أهمية هذه الصورة؟.
ما هي الأهمية العلمية لرؤية مجرّة عمرها مليارات السنوات؟.
من سمات المعرفة العلمية أن تكون مُحدّثة (up to date)، ما هي الأهمية العلمية لمعرفةٍ عمرها مليارات السنوات؟.
باستثناء الـ WoW والـ Cool، وباستثناء مئات مليارات الدولارات التي تُصرف من جيوب دافعي الضرائب على شكل عقود تصنيع وتوريد تصبّ في أرصدة كبريات شركات المجمع الصناعي العسكري، وباستثناء أي تطبيقات عسكرية أو تجارية تتمخّض عنها هذه "الجهود العلمية"، والتي هي غاية مسبّقة على العلم نفسه، وباستثناء "تكييش" المخيال الهولييودي المنسوج حول رحلات الفضاء وحروب الفضاء والكائنات الفضاىية، وباستثناء كلّ هذا، هل يمكن أن يشرح لنا أحدهم أهمية هذا "العلم" قياسا بأولويات علمية وإنسانية أخرى هنا على الأرض؟.
"أصل الحياة"، نشأة الكون"، "مصير الكون"، "البحث عن حياة ذكية"، "البحث عن كواكب صالحة للحياة".. الخ، كلها تبدو معارف تافهة وإشباعا لفضول مترف إذا ما قيست إلى طفل صغير في قرية نائية في إفريقيا أو أمريكا الجنوبية أو آسيا ما زال يموت من الإسهال لعدم توفّر مصدر ماء نظيف أو شبكة للصرف الصحي!.
ألم تفكر لحظة يا صاحب "العقل العلمي" و"المنطق العلمي" أنّ البحبوحة والطفرة والوفرة التي تتيح لدول مثل الولايات المتحدة إمكانية إنفاق كل هذه المليارات على علم "ترفي".. هذه البحبوحة متأتية من سلب ونهب ومص دماء البشر والشعوب؟.
نهين الإنسان والحياة على الأرض، ونقضي عليهما، وذلك في سبيل البحث عن أصل الحياة في الفضاء، أو عوالم أخرى، أو أكوان موازية، فمَن يُسمّون "علماء" ومحبيهم والمفتتنين بهم هم أصحاب أحد أكثر أشكال "الحِس الأخلاقي" شذوذا هذه الأيام.
بعيدا عن كل الهراء والكلام التبشيري ووعود "الفردوس الأرضي" التي صاحبت ما يسمّى "عصر العلم" و"التقدّم العلمي" و"الحتمية العلمية" (ونسختها الحالية الحتمية الرقمية)، فإنّ البشرية عبر تاريخها لم تدفع ثمنا أفدح من الثمن الذي دفعته وتدفعه على يد العلم "الوظيفي" (المرتبط بالمصنع والسوق) والعلماء "الأداتيين" أصحاب "البُعد الواحد".
بالعودة إلى السؤال أعلاه: ما هي الأهمية العلمية لمعرفةٍ عمرها مليارات السنوات، هل سيأتي أحد المسقفين العلمويين من كلّ هذا الكلام، ويجيب بكل حنق و"نقرفة" واستعلاء: هذه "الحقائق" أو المعطيات الجديدة هي بمثابة "الحالة الابتدائية" التي يمكن أن ننطلق منها لتتبع نشأة وتطوّر الكون منذ تلك الأزمان السحيقة وحتى الآن؟.
أولا: من منظور الفيزياء نفسها، ماذا تعني كلمة "الآن"؟.
وثانيا: كيف جزم هذا الشخص بأنّ فيزياء "لحظة الصفر"، وفيزياء قبل 14 مليار سنة، وفيزياء "الآن".. هي نفس الفيزياء لم تتغيّر وتتطوّر بتغيّر الكون وتطوره؟.
وثالثا: كيف جزم العلماء أن نظرياتهم ونماذجهم الرياضية التي سيُدخلون هذه "المعطيات" الجديدة إليها هي نظريات ونماذج صحيحة ومثبتة (للأمانة لا أظن أنّ هناك عالما حقيقيا قد سبق له إدّعاء هذا)؟.
بالمنطق العلمي، أي نتائج علمية يمكن الخروج بها من هذه المعطيات هي مبنية على فرضين نظريين غير مثبتين ولا يمكن إثباتهما:
1- أن قوانين الفيزياء ثابتة ومطّردة في كل زمان ومكان.
2- أن النظريات والنماذج الرياضية التي يعالج العلماء من خلالها الحقائق والمعطيات هي نظريات ونماذج صحيحة.
مرّة أخرى، لا أظن أنّ هناك عالما حقيقيا يمكن له أو سبق له ادّعاء ذلك!.
الصورة، و"الطنطنة" المصاحبة لها، يمكن أن تكون أيضا مثالا أو حالة دراسية أخرى لقوّة "الخطاب" و"السيمياء" و"الإيحاء" و"البرمجة المسبقة" للوعي والتفكير، ولكن هذا مناط آخر للحديث.
بقي سؤال ساذج يتبادر إلى ذهني من وحي الصورة، أليس الفضاء بيينا وبين مجرة تبعد عنا مليارات السنوات ممتلئاً هو الآخر بمليارات المجرات والنجوم والسدم، كيف يمكن تحييد كل هذه "العوائق البصرية" من أجل التقاط صورة "طبع" مثل صورة (جيمس ويب) المنشورة؟.
هل السر في تقنية التصوير بالأشعة تحت الحمراء، أليس للمجرات والنجوم والسدم بيننا وبين عمق الصورة قيم للأشعة تحت الحمراء هي الأخرى، كيف يتم "تحييدها" و"فلترتها"؟.
ألا تقوم كمبيوترات فائقة بتحليل القراءات والمعطيات من أجل إعطاء الصورة النهائية، وفق أي افتراضات تمت برمجة هذه الكمبيوترات، ووفق أي "خوارزميات" تقوم بالقراءة والتحليل؟.
أليست برمجة/ افتراضات مختلفة وخوارزميات مختلفة تعني تحليلات مختلفة.. وبالتالي صورا مختلفة للكون الأول أو المبكر؟.
ثم أليس الفضاء بين سائر الأجرام السماوية ممتلئاً بـ "المادة السوداء" أو "المُظلمة" المثبُتة حسابيا ولكن غير المرصودة أو المحسوسة عيانيا، أليس لهذه المادة السوداء أيّ تأثيرات على عملية الرصد، وكيف يمكن تمييز وتحييد هذه التأثيرات والعلماء لا يعرفون أساسا ماهيّة هذه المادة السوداء؟.
أظن أنّ الإجابة على هذه الأسئلة، وغالبا هناك إجابات متسقة لمعظمها، تمثّل "علما" أكثر من صورة (جيمس ويب) التي لا تمثّل علما أو معرفة علمية بحدّ ذاتها.
تفاعل جمهور السوشال ميديا مع صورة (جيمس ويب)، والجمهور العربي بوجه خاص، هو من ناحية مثال على التلاعب بالوعي وتضليله وبرمجته وتوجيهه، ومن ناحية ثانية هو مثال على التبعيّة والانبهار بالآخر والإنسحاق أمامه، ولكن في هذه الحالة هي تبعية علمية وانبهار وانسحاق علميين.