عندما يستشهد الرئيس الامريكي جو بايدن في مقالته الهامة التي اختار لنشرها صحيفة الواشنطن بوست بما قاله الملك عبدالله الثاني عن اجواء المنطقة الجديدة ومناخاتها التى يمكن البناء عليها في تكوين منظومة علاقات صحية فإن هذا الاستشهاد لا يأتي من قبيل المصادفة او من باب المجاملة الدبلوماسية لكنه يحمل دلالة ورمزية فاما الدلالة فمكنونها موجود في بصمة جلالة الملك في برنامج الزيارة والترتيبات التي طرأت على بعض تفاصيلها لا سيما ما يتعلق منها بلقاء الرئيس جو بايدن بولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان كما تحدثت عنه بعض الاوساط الامريكية.
واما الرمزية فإنها حاضرة بالروح الايجابية وارضية العمل التي يمكن البناء عليها في إعادة ترسيم خارطة جديدة ذات محددات ثابتة وليست متغيرة تتغير بتغير عناوين البوصلة السياسية وهذا ما يستلزم وضع اطار ناظم لمنظومة عمل المنطقة يعزز من واقع قدرتها الذاتية في مواجهة التحديات دون الدخول بزوايا حضارية/دينية حادة من واقع الشروع بتحويل النهج الديموقراطي الليبرالي الى عقائدي شمولي يلزم منطقة مهد الحضارات باحقاقه لأن هذه المنطقة اعتادت ان (تهضم ولا تهضم).
مقال الرئيس جو بايدن الذي نشرته الواشنطن بوست وهي الصحيفة القريبة من الحزب الديموقراطي يحمل روح جاك سولفان في قضايا حقوق الانسانية والديموقراطية كما يحمل نهج بلنكن في الحديث عن الانجازات الدبلوماسية ومن الواضح ان هذا المقال تم اختيار مكانه وتوقيته ومناخات المعارضة حوله من وحي اسقاطات وليم بيرنز الامنية ومن ايحاءات ميدانية صادرة عن القيادة المركزية الوسطى التي تقوم بترتيب اجواء المنطقة قبل زيارة الرئيس جو بايدن اليها والتي تبدأ الثلاثاء في تل ابيب وتحط الجمعة في جدة بما تحويه هذه الرحلة من رمزية وعنوان.
وعلى وقع دخول القوات التركية في الشمال السوري وتحرك مقابل للقوات الروسية ورسائل التهديد بين كوريلا قائد سنتكوم وشايكو قائد القوات الروسية هذا اضافة إلى اجواء الليونة السياسية التي تبديها ايران في الملف اليمني والسوري اللبناني والعراقي وحديث الرئيس الفلسطيني مع لابيد وترتيبات مصرية اسرائيلية تتحدث عن عودة مفاوضات ومراقبة روسية حثيثة للقمة "الاماراتية الهندية الاسرائيلية الامريكية" التي ستجرى اثناء هذه الزيارة عبر شبكة التواصل المرئي تعيش المنطقة اجواء من تحضيرات استثنائية لهذه الزيارة التي تعتبر الاولى من نوعها دون مشاركة القوات الامريكية في مهمات قتالية بعد انسحابها من افغانستان.
فقد تكون سوريا مرشحة لتوسيع ميدان الاشتباك في اوكرانيا وهذا يعني ضرورة حيادية ايران على ان يقابل ذلك بتسريع عملية وضع اطار امني ومن ثم سياسي للمنطقة على غرار الناتو الاوروبي بما يجعلها اكثر قدرة على المنعة والتصدي وهو في المحصلة سيقود لفتح الباب امام جلوس الاطراف الامريكية والروسية والاسرائيلية والاردنية للوصول لاستخلاص صحي يعيد تشكيل نظام الضوابط والموازين في المنطقة وهو ما كان دعا اليه جلالة الملك في وقت سابق في واشنطن.
زيارة بايدن للمنطقة التي تأتي وسط ارتفاع بالمشتقات البترولية وحالة اشبه بالركود التضخمي وعناوين لأزمة غذائية وهو ما جعل من اغلب التحليلات تدخلها في الباب الاقتصادي لكن السياق العام يقرأها على غير ذلك هذا لان الرئيس بايدن هو من رفع سعر الفائدة ولم يستخدم الاحتياط النفطي بشكل واضح وهو من تصدي للنفوذ الروسي عبر اوكرانيا وخلق ازمة غذائية لتشغيل الحديقة الخلفية له في امريكا اللاتينية وهو الذي قرر التصدي للنفوذ الروسي بالمنطقة عبر سوريا.
وهو القادم للمنطقة لتشكيل حاضنة على غرار الناتو الاوروبي تعطي ذات المدلول الذي شكله الاتحاد الاوروبي في الشمال وهو ما يأتي ضمن نظرية الاحتواء الاقليمي التي يعمد على ترسيمها امنيا وليس سياسيا في الوقت الحالي وهو الذي جعل من بايدن يدخل المنطقة بعد قراءة عميقة لمتغيراتها ومع وحود مناخات جديدة تخيم على اجوائها وهو العنوان الذي جعل الرئيس بايدن يسترشد بالملك.