لا يوجد دولة خدمت المصالح الإسرائيلية والاميركية اكثر من ايران، التي يراد لها ان تبقى بعبعا يخيف بعض الاقطار العربية ويؤثر في توجهاتها ومواقفها وسياساتها، بحيث يصبح من السهل تغيير واقع المنطقة ومسلماتها وصراعاتها وتحالفاتها على اسس جديدة، والتمهيد لذلك بالتغطية على جرائم الكيان الاسرائيلي وانتهاكاته بحق الفلسطينيين، واحتلال اراضيهم وهدم بيوتهم وقتلهم واعتقالهم وتشريدهم والتنكيل بهم، عبر محاولة الولايات المتحدة طي هذه الصفحة الاحتلالية الاجرامية ومحوها ومسحها من الذاكرة وجعلها اسيرة النسيان، موهمة نفسها بانها تستطيع فعل ذلك، اذا ما نجح مسعاها بادماج هذا الكيان الغاصب في الاقليم من بوابة التطبيع التي تمثل ايران احد ادواته غير المباشرة، باظهارها على انها هي العدو المطلوب مواجهته ومحاربته في المنطقة وليس اسرائيل المرتبط وجودها اصلا بمخطط احتلالي استعماري يسعى الى اقامة دولة اسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل.
وعلى ما يبدو ان الولايات المتحدة كما الصهيونية العالمية، قد مهدتا لذلك من خلال مقدمات وسيناريوهات امكن من خلالها استثمار ورقة المليشيات الطائفية الايرانية التي فرضت نفسها في المشهد الاقليمي عبر تمددها وانتشارها في بعض الدول العربية كالعراق وسوريا واليمن ولبنان، وذلك كجزء مما يسمى بالفوضى الخلاقة التي اطلقتها وزيرة الخارجية الاميركية السابقة كوندليزا رايس، والتي تقوم على فكرة تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة، اثناء ترويجها لمشروع الشرق الاوسط الجديد او الكبير، الامر الذي يفسر توفير بيئة اقليمية لنشر التنظيمات الارهابية كداعش وغيرها، بطريقة مهدت لتمدد اذرع ايران الطائفية والمليشياوية في هذه الدول العربية عبر ممرات آمنة كانت توفرها الولايات المتحدة لغايات كانت تقتضيها صناعة البعبع الايراني بهدف تعزيز القناعة بان ايران وليست اسرائيل هي الخطر الحقيقي الذي يتهدد الامن القومي العربي والمسؤولة عن حالة الفوضى وعدم الاستقرار في الاقليم، وذلك وفقا للطريقة الاميركية في صناعة الاعداء في المنطقة، لدرجة اننا اصبحنا نسمع عن وجود محاولات اميركية تستهدف تشكيل تحالفات اقليمية يشارك بها الكيان الصهيوني لمواجهة الخطر الايراني.
حيث كانت اولى هذه المحاولات في عهد الرئيس الاميركي السابق دونالد ترمب في مؤتمر وارسو الذي استهدف تطويق العدو الايراني ومحاصرته ومواجهته، وليس اسرائيل المراد ادماجها في الاقليم من خلال طرح فكرة اقامة تحالف الشرق الاوسط الاستراتيجي، في الوقت الذي تم فيه تجاهل ملف القضية الفلسطينية وغيره من الملفات الاخرى التي تم ادراجها على اجندات المؤتمر، لابعاد الشكوك عن الغاية الحقيقية من انعقاده، وهو السيناريو الذي يتوقع البعض ان يتم طرحه ايضا بحسب بعض التحليلات او التسريبات الاعلامية على جدول اعمال القمة التي ستجمع الرئيس الاميركي جو بايدن مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والاردن ومصر والعراق منتصف الشهر الحالي في السعودية على خلفية تصريحات الرئيس بايدن التي اشار خلالها الى ان زيارته للسعودية لها علاقة بامن اسرائيل وادماجها في المنطقة، وذلك رغم ما يقال بان زياراته التي اجبر عليها تتعلق بالطاقة من اجل البحث عن بدائل للنفط والغاز الروسيين لتزويد دول اوروبا بها كونها الاكثر تضررا من الحصار الاقتصادي المفروض على روسيا جراء حربها على اوكرانيا.
ومع ذلك فان على الدول العربية ان تدرك وتأخذ باعتبارها ان التهديد الايراني لامنها ومصالحها ووجودها لا يقل خطورة عن التهديد الاسرائيلي، وعليها عدم الوثوق بالموقف الاميركي (العدائي) من ايران، التي امكن توظيف اجنداتها في المنطقة ووضعها في خدمة المصالح الاميركية والاسرائيلية، وان هناك ما يشير الى تلاقي مصالح الاطراف الثلاثة، بطريقة تجعل من استهداف ايران من قبل الولايات المتحدة امرا مستبعدا، إذ انها لم تدخل في صراع حقيقي مع ايران ولم تكن جادة في مواجهة نفوذها ومحاصرتها وتطويقها في المنطقة، وما تزال تراوغ في تعاطيها مع ملف الاتفاق النووي الإيراني، في الوقت الذي دعمت فيه إسرائيل وشجعتها على تدمير المفاعل النووي العراقي وهو ما زال قيد الانشاء، وخاضت حربا تدميرية ضد العراق وسلمته لإيران، وان اسرائيل نفسها لم تحرك ساكنا هي الاخرى لجهة استهداف المفاعل النووي الإيراني، ولم تحاول منع اقتراب القوات الإيرانية ومليشيا حزب الله من المنطقة الحدودية معها في الجولان.
الامر الذي يتطلب من الدول العربية الالتفات الى مصالحها والاعتماد على نفسها في مواجهة المخاطر التي تتهددها، وان تبدأ تفكر بأخذ زمام المبادرة في التعاطي مع هذه المخاطر التي تستهدفها باستخدام الادوات والحلول الذاتية التي تكفل لها تقليع شوكها بيدها، حتى لا تبقى تمارس ادوارا من رسم غيرها وعلى حساب امنها ومصالحها، وتكون ضحية لمؤامرات تحاك ضدها في المنطقة.